بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وبعد،
فإن ما تشهده قارتنا من أزمات وحروب، وما تعيشه الآن في أجزاء منها، وخاصة دول الساحل والسودان، يذكر بشرور الحرب وبشاعتها وخطورة آثارها وتبعاتها،
واعتبارا للمستجدات الأخيرة على الساحة السودانية المتمثلة في الاقتتال الدائر هناك. وبما أن صوت الحرب علا فوق صوت السلم والحوار،
وانطلاقا من قناعتنا أن الحرب لا يمكن أن تكون حلا، وأن سفك الدماء لا يزيد الأوضاع إلا تعقيدا، ونظرا إلى أن أحداث أزمة السودان تتدهور بشكل مؤسف، والأزمات الحاصلةَ في بعض دول الساحل مستمرة ومأساوية، ولا تزيدها الأيام إلا اشتعالا، وتكاد بسببها تضيع أجيال كاملة،
وسعيا إلى جعل السلم البساط الذي تطرح عليه كل الاختلافات من أجل الحل المرضي للجميع بالتعاون والحوار وتقديم التنازلات الإيجابية. واستباقا لأي هزات ارتدادية ونزاعات متلاحقة في أجزاء أخرى من القارة،
واستشعارا للحاجة إلى تكامل الجهود، كلّ من موقعه ودائرة تأثيره، للإسهام في جهود السلم والمصالحة،
واستثمارا للخبرة التي راكمها المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم في دوراته ولقاءاته وأنشطته الماضية، والتي شارك فيها عدد من الرؤساء والزعماء الأفارقة ومئات من العلماء والرؤساء والوزراء والخبراء وقادة المجتمع المدني، واستكمالا للعمل الذي تم القيام به خلال السنوات الفارطة،
انعقد في نواكشوط اللقاء التشاوري الأول لعلماء الساحل وجمهورية السودان تحت شعار: ﴿وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾، يومي: 01-02 ذي الحجة 1444هـ الموافق لـ 19-20 يونيو 2023م، تحت الرعاية السامية لفخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وبدعم سخي من دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، وبرئاسة معالي الشيخ عبد الله بن بيه رئيس منتدى أبوظبي للسلم.
وقد شارك في اللقاء جمع غفير من العلماء والوزراء والخبراء الأفارقة، وخاصة من دول الساحل والسودان، ضمّ عددا كبيرا من القيادات الدينية والفكرية والسياسية المختلفة في الدول المعنية.
وافتتح اللقاء بكلمة لمعالي الوزير الأول المهندس محمد ولد بلال ولد مسعود، كما شارك في الجلسة الافتتاحية إلى جانب العلامة عبد الله بن بيه معالي الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف في جمهورية مصر العربية ومعالي السيد موسى فكي رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي ومعالي السيد حسين إبراهيم طه الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي وسعادة السفير رشاد حسين سفير الحريات الدينية في الولايات المتحدة.
وشهدت جلسات اللقاء على مدى يومين مداخلات ومناقشات معمقة لأهم قضايا الوضع الراهن في دول الساحل وجمهورية السودان، كما قدمت مقترحات للمساهمة في معالجة أزمة السودان ودول الساحل، وبعد تداول الآراء والأفكار، وتأسيسا على منطلقات المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم، خلص اللقاء إلى ما يلي:
أولا: المبادئ
1. إن النفس البشرية مصونة محفوظة شرعا بمحكمات النصوص ومنها قوله سبحانه وتعالى: "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق".
2. إن حفظ النفوس من أهم مقاصد الدين الإسلامي، قال الله تعالى: "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ".
3. إن السنة النبوية الشريفة حذرت من خطورة الاقتتال الداخلي بين المسلمين، وقال صلى الله عليه وسلم " لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ".
4. إن وحدة الصف وتماسك المجتمع ضرورة حث الدين على مراعاتها، قال تعالى:" واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا"، وقال سبحانه " وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ".
5. إن العدل والرحمة والحكمة والمصلحة هي القيم الأربع الكبرى التي تتأسس عليها كل العلاقات، وقد قال سبحانه: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان"، وقال: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وقال: "ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا"، وقال: "إنا لا نضيع أجر المصلحين".
6. إن الوساطة وإصلاح ذات البين أقصر الطرق إلى التوافقات، وقد قال سبحانه: "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس"، وقال تعالى: "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم".
ثانيا: التوصيات
وقد وصل المشاركون إلى جملة من المقترحات والتوصيات:
1. تشكيل فرق عمل لمتابعة الوضع في الدول المعنية، والسهر على تنفيذ مخرجات هذا اللقاء التشاوري، وتطوير ما قدم فيه من أفكار وتصورات، وقد خول المشاركون المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم للعمل على ذلك.
2. دعوة المجتمع الدّولي إلى احتضان هذه المبادرة، وتبني توصياتها التي تعزّز الجهود الحالية.
3. حث القيادات الدينيّة على القيام بالتوعية بأهمية تحقيق السلم ونبذ خطاب الكراهية والاقتتال ونشر دعوة المصالحة بين الناس، ودعوة الأطراف المتصارعة، إلى تغليب المصلحة العامة والحفاظ على الأوطان.
4. القيام بعمل مستعجل لمساعدة اللاجئين والمهجرين من هذه الدول، من خلال تأمين الملاذ الآمن والاحتياجات الطبية والغذائية لهم.
5. إنشاءُ وتنظيم قوافل للسلام، يقودها الأئمةُ والقيادات المجتمعية من مختلف العرقيات والقبائل، ليكونوا رسل وئام وسلام في المناطق التي تعاني من الحروب الأهلية والصراعات الدموية.
6. دعم المبادرات المحلية التي يقودها الأهالي على مستوى القرى والمدن لوقف إطلاق النار والمصالحة وتوسيع هذا النموذج الإيجابي في باقي مناطق الصراع.
7. تعزيزُ وتفعيلُ دور الشباب والنساء في بناء السلم المحلي، والإسهام في رسم السياسات وبناء الشراكات، لتعزيز استقرار المجتمعات وحفظ السلم فيها،
8. وضع إطار شامل لتنسيق جهود السلام ومبادرات المصالحة وإنشاء لجنة دائمة للحوارات والمصالحات من علماء الساحل والسودان.
ويطيب للمشاركين في ختام اللقاء التشاوري للساحل والسودان أن يعبروا عن صادق شكرهم وجميل ثنائهم لحكومة الجمهورية الإسلامية الموريتانية على رعايتها الكريمة، ويرفعوا أسمى عبارات الامتنان والعرفان إلى فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني على كريم العناية وجميل الرعاية، التي حظي بها ضيوف هذا اللقاء. ويتوجهون بالشكر إلى القائمين على المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم على جهودهم المتميزة في انجاح أعمال اللقاء.
نداء السلام
إن المشاركين في اللقاء التشاوري لعلماء ومثقفي الساحل والسودان، يوجهون نداء حاراً إلى الأطراف المتنازعة في السودان كما يلي:
أيها الزعماء الكرام، لقد تَسَنّمت مهام جساما، ومراتب عظاما، ومع سمو المناصب يكون عظم المسئولية وجدارة التحلي بكريم الخصال والأخلاق،
وإن إخوانكم من العلماء ورجال الدين في الساحل والسودان يهيبون بكم ويناشدونكم بالله والارحام والوطن، فالله الله في دماء السودانيين وأموالهم وأعراضهم "فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ"، وندعوكم إلى إيقاف القتل والقتال وتغليب المصلحة العامة صوناً للدماء المعصومة والأعراض المصونة، كما نطالبكم باعتماد الحوار وسيلة وحيدة لحل النزاعات والصراعات، بالاستناد إلى قوة المنطق لا إلى منطق القوة، وتبني مبادرات سلمية، يقودها أبناء البلد المخلصين من أجل إنهاء القتال، سائلين الله العلي الكريم أن يكشف الغم ويفرج الهم وينشر السلم في السودان والعالم أجمع إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وحرّر بنواكشوط في 2 ذي الحجة 1444هـ الموافق لـ 20 يونيو 2023م.