كيف دمر الغرب ليبيا عبر حرب شرسة؟

خميس, 04/20/2017 - 01:31
كيف دمر الغرب ليبيا  عبر حرب شرسة؟

فيما يتحدث قادة غربيون عن إمكانية مزيد من التدخل في سوريا مرة أخرى، تغرق ليبيا وهي واحدة من ضحايا هذا التدخل، في حالة من الفوضى. تتمزق ليبيا عبر حرب شرسة يخوضها جنرالات وحكومات تدعمها قوى إمبريالية متنافسة.

تتمزق ليبيا بحرب أهلية طاحنة أثارتها قوى إمبريالية متنافسة. الرعب الحاصل هناك درس مؤلم يوجب معارضة أي تدخل عسكري، كما يكتب أليستير فارو.

أيدت الولايات المتحدة وبريطانيا إسقاط معمر القذافي في عام 2011. وقال ديفيد كاميرون في ذلك الوقت: "رأينا واضح - ليس هناك مستقبل لائق لليبيا مع بقاء العقيد القذافي في السلطة".

هذا "المستقبل اللائق"، الذي استبعد الليبيون العاديون من التخطيط له ، تسبب في مقتل عشرات الآلاف وتشريد 000 450 شخص على الأقل داخليا.

وقد أصبح الساحل الليبي مركزا لصناعة تهريب البشر المزدهرة. ويظهر تقرير حديث للمنظمة الدولية للهجرة أن الأشخاص الذين أجبروا على البقاء في ليبيا يتعرضون للتعذيب والبيع في مزاد علني كرقيق.

أما النساء فتُستغل في الاستعباد الجنسي مقابل رشى لأسرهن.

الفوضى التي اجتاحت البلاد منذ عام 2011 تجسدت من بين أمور أخرى في أزمة اللاجئين التي ظهرت على شواطئ ليبيا .

وتقول المنظمة الدولية للهجرة إنه حتى آذار / مارس، حاول 23،125 شخصا عبور البحر الأبيض المتوسط إلى إيطاليا. من بين هؤلاء، 595 لقوا مصرعهم، وهو أمر يشكل زيادة عن نفس الفترة من العام الماضي.

هل هذا هو "المستقبل اللائق"، يمكننا فقط أن نتصور مستقبلا قاتما من فكرة كاميرون.

ولكن في الحقيقة لم يكن تدخل بريطانيا له علاقة بحياة الليبيين العاديين.

منطق اجتثات

كان الأمر يتعلق بوقف المد الثوري الذي اجتاح الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2011. الليبيون وقفوا ضد القذافي في سياق هذه الثورة. وكان رده محاولة سحق الثورة عن طريق حملة عسكرية. ثم دعمت القوى الغربية المختلفة، بما فيها بريطانيا وفرنسا، التدخل ضده للدفاع عن مصالحها الخاصة.

في بريطانيا أعاد السياسيون المحافظون مثل كاميرون وليام فوكس وويليام هيغ فكرة "التدخل الإنساني" إلى الواجهة. وهي نفس الكذبة التي استخدمها تونى بلير لتبرير غزو العراق في عام 2003.

لقد زعموا أنها تتعلق بحماية الليبيين الذين ذبحوا من قبل قوات القذافي. في الواقع كان الأمر يتعلق بالوصول إلى حقول النفط الليبية ومحاولة تثبيت نظام صديق للغرب.

وقال تقرير برلماني في العام الماضي إن تدخل كاميرون في ليبيا "سياسة انتهازية لتغيير النظام".

وأضاف التقرير أن كاميرون مسؤول عن "الانهيار السياسي والاقتصادي والأزمات الإنسانية وموجات الهجرة وانتشار انتهاكات حقوق الإنسان وانتشار أسلحة نظام القذافي عبر المنطقة ونمو داعش في شمال أفريقيا".

لقد اجتاحت السيرورة الثورية قادة مستبدين، ومارست عليهم مآلات مختلفة في دول مختلفة.

في سوريا، أٌغرِقت انتفاضةٌ شعبية ضد بشار الأسد في الدم. في ليبيا، اختطفت الولايات المتحدة وبريطانيا بشكل متعمد التمرد للإطاحة بالقذافي.

وتتحمل الدولة البريطانية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى مسؤولية الفوضى. وبقطع هذه الدول طرق الهجرة فإنها تجبر الناس على البقاء في حالة يحكمها الخطر والتمزق.

وفي اجتماع لمجموعة السبعة خلال الأسبوع الماضي ، صدر بيان جاء فيه "لا يوجد حل عسكرى لمشاكل ليبيا".

وهذا تبخيس ، لأن الجيوش الغربية في قلب مشاكل ليبيا.

القوى الكبرى تحرك قطعها على رقعة الشطرنج الكبرى

وقد اجتمع وزراء خارجية الدول السبع الأكثر ثراء في العالم - مجموعة السبعة - في إيطاليا الأسبوع الماضى. وكان المحور الأول على جدول الأعمال سوريا، والثاني ليبيا.

وتوجه وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون إلى القمة على أمل الفوز بفرض عقوبات على روسيا. وكان يريد أن يضغط على الرئيس بوتين للتخلي عن دعمه لبشار الأسد.

لكنه عاد خالي الوفاض، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الرجل العسكري المدعوم من روسيا خليفة حفتر ، يتحول على نحو متزايد إلى صانع قرار في الصراع الليبي.

يذكر أن جيش حفتر يقاتل قوات متحالفة مع حكومة الوفاق الوطني التي تدعمها الأمم المتحدة ، بالإضافة إلى قتال داعش وجماعات مماثلة.

كما أن الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبى يعتبران حكومة الوفاق ، الحكومة الوحيدة فى ليبيا. لكن روسيا تريد أن يُدرج حفتر، الذي يدعمه أيضا عبد الفتاح السيسي، في أي حكومة وطنية.

وقام  حفتر بزيارتين لموسكو العام الماضى. وقد زار حاملة الطائرات البحرية الروسية الأدميرال كوزنيتسوف عندما كانت تبحر في الساحل الشمالي الأفريقي في يناير / كانون الثاني.

وعلى الرغم من عدائه الواضح للولايات المتحدة، فإن لحفتر علاقات قوية مع الولايات المتحدة. وذهب إلى الولايات المتحدة بعد أن استنكره القذافي لأنه تم القبض عليه فى الحرب الليبية ضد تشاد في عام 1987.

وأفادت الأنباء أن حفتر التقى مع مسؤول عسكرى أمريكى في زيارة لدولة الإمارات العربية المتحدة يوم الاثنين الماضى. وقصفت القوات الجوية الامريكية والبريطانية والفرنسية أهدافا نيابة عن جيش حفتر العام الماضى، بما في ذلك القوات الموالية لحكومة الوفاق في الغرب الليبي.

وبدلا من تهميش روسيا بشأن ليبيا، اختار وزراء الخارجية المجتمعون طريقا أكثر دبلوماسية مع سوريا.

هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية في عام 2011، أرادت انخراطا أمريكيا أكبر في ليبيا بعد الإطاحة بالقذافي. لكن أوباما لم يقبل بذلك.

لكن الفوضى في ليبيا اليوم تبرز كدليل إدانة لسياسة كلينتون في ذلك الوقت. ويشيد الليبراليون الأميركيون بتدخل ترامب وقصفه قاعدة الشعيرات الجوية في سوريا، مما يشير إلى بداية اتجاه جديد للسياسة الخارجية الأمريكية. وهذا يمكن أن يكون كارثيا بالنسبة لليبيا.

 بدأ السياسيون في بريطانيا والولايات المتحدة التكهن بشأن تغيير النظام والدعوة إلى إزالة الأسد. وقالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هالي : "إن تغيير النظام هو شيء نعتقد أنه سيحدث".

وتكهن المسؤول الصحفي في البيت الأبيض شون سبيسر بأن ترامب لن يتردد في عمل مشابه ردا على جرائم الأنظمة المختلفة.

وأضاف "إذا كنت تقصف طفلا بالغاز، أوقصفت أبرياء ببراميل ، فسوف ترى ردّا من هذا الرئيس".

نظام ترامب يصعد بالفعل في مكان آخر

في سوريا والعراق ، قتلت الغارات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ما لا يقل عن 1،782 مدنيا الشهر الماضي وفقا لموقع Airwars.

إن المشاحنات على مستوى هرم الولايات المتحدة ،لا علاقة لها بمصالح الناس الذين يعيشون في الشرق الأوسط.

الاتحاد الأوروبي يأخذ حياة اللاجئين، ولا ينقذهم

ويمول الاتحاد الأوروبي ويدعم عملية عسكرية تهدف إلى وقف اللاجئين من مغادرة ليبيا.

 ووقع رئيسا الوزراء الايطالي والليبي اتفاقا في شباط / فبراير الماضي ، تمنح إيطاليا بموجبه الأموال والموارد لليبيا مقابل عرقلة طرق الهجرة من شواطئها.

وقد حظيت الصفقة بدعم دول أوروبية أخرى. ومنذ أواخر العام الماضي، درب الاتحاد الأوروبي 90 عنصرا من حرس السواحل الليبيين كجزء من عملية صوفيا لوقف وصول اللاجئين الليبيين إلى أوروبا.

لقد حصلت بريطانيا على نصيبها أيضا، إذ تقوم البحرية الملكية بتدريب حرس السواحل الليبيين.

وقال وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون إن "مكافحة تهريب الأشخاص والأسلحة ستنقذ الأرواح" .ولكن الاتفاق بين إيطاليا وليبيا لا علاقة له بالقلق الحقيقي.

واستقل حرس السواحل الليبيون سفينة تحمل أشخاصا عبر البحر الأبيض المتوسط الشهر الماضي. وقال متحدث باسم منظمة "سي-واتش" الخيرية الألمانية إن خفر السواحل الليبيين"هاجموا اللاجئين وضربوهم ". وقد لقى اكثر من 20 شخصا مصرعهم.

إن تشديد الرقابة على الحدود وتمويل وتدريب خفر السواحل الليبيين لا ينقذ الأرواح، بل يجهز عليهم.