المبدعون في الكويت يلفون في دائرة مغلقة

ثلاثاء, 06/06/2017 - 14:21
المبدعون في الكويت يلفون في دائرة مغلقة

تسعى العنزي في منهجها النقدي إلى مقاربة النص من خلال الرؤية المهيمنة عليه وما تفرضه عوالمه على المتلقي. وسعاد العنزي باحثة وناقدة حائزة درجة الدكتوراه في النقد الأدبي من جامعة لندن، وتعمل أستاذةً للنقد الأدبي الحديث في جامعة الكويت، ولها عدة مقالات ودراسات نقدية منشورة في الصحف والمجلات العربية. كما صدر لها: «العنف السياسي فى الرواية الجزائرية المعاصرة»، و«رواية المرأة الكويتية فى الألفية الثالثة».

وترى الناقدة الكويتية سعاد العنزي أن على النقاد بذل المزيد من الجهود في تطوير الحركة النقدية، والخروج من دائرة التشابه إلى الاختلاف. وأن تراجع الدور المهم للقصيدة المنبرية في الشارع العربي، أكسب الرواية دوراً مهماً كونها فنا نثريا جديدا نسبياً على الثقافة العربية.

هنا نص الحوار حول سيرتها ومسيرتها النقدية..

■ من هي سعاد العنزي، وهل جاء اختيارك للنقد هواية أم فرضته عليك الدراسة؟

□ صعب جدا أن يحدد إنسان من هو وما هي هويته في هذه العجالة، وبأي مكونات هويته يبدأ. هل أبدأ بالجانب الشخصي أم العملي؟ أنا إنسانة تحاول أن تكون فاعلة في الحقل الثقافي والأكاديمي، وأن أضفي جانبا إنسانيا في شبكة العلاقات الاجتماعية التي أتحرك من خلالها. لم أختر أن أكون ناقدة، ولكن دخولي مجال النقد كان محض صدفة بدعوة من أحد الأساتذة للكتابة، وهو عبدالله العوضي، ولاقت التجربة نجاحا بسبب تخصصي في النقد في برنامج الدراسات العليا، فكتب لهذه التجربة الاستمرارية، وكلما استمررت شعرت بأهمية الدور الذي ألعبه في ساحة ليس فيها حراكا نقديا فعالا بشكل ملحوظ بسبب قلة الأقلام النقدية.

■ باختصار، ومن خلال تجربتك، كيف تقيمين وضع النقد الأدبي العربي المعاصر؟

□ النقد الأدبي العربي المعاصر يعيش بشكل عام أزمات متعددة. النقد الأدبي في الحقل الصحافي بشكل عام هو نقد انطباعي، يرقى لأن يكون مراجعة وعرضا للأعمال الأدبية، وهو مكتوب بحوافز متعددة والشللية واحدة منها. أما النقد الأكاديمي، فرغم رصانة الكثير منه، إلا أنه في مجمله لا يتعدى أن يكون نقدا يخضع للمدارس البنيوية والسيمائية، التي تكون وصفية أكثر من كونها تحليلية، كما أنها تغيب التفكير في قضايا مهمة تحيط بالعملية الإبداعية، مثل رصانة النصوص الأدبية، والعوامل الثقافية والاجتماعية والسياسية التي تتحكم في بناء النص. أيضا النقد البنيوي يقول ما يقوله النص، ولا يعنى بأسئلة مهمة وجادة ولا يتعاطى معها مثل المسكوت عنه، والتمثيلات المغلوطة للموضوعات المقدمة، كما أنها تغفل القراءات النفسية، وغيرها من النظريات المتعددة التي تثري قراءة النص. لا أستطيع التعميم ولا تلخيص جميع إشكاليات النقد الأدبي، ولكن أقول علينا كنقاد وناقدات بذل المزيد من الجهود في تطوير الحركة النقدية واستثمار جميع النظريات والمفاهيم في قراءة النصوص المتعددة، وعدم الارتكاز على واحدة فقط. والخروج من دائرة التشابه إلى الاختلاف.

■ في ظل هذا الانفجار الروائي الذي يمر به المشهد الأدبي العربي، كيف تقيمين ما يُنشر، من ناحية النضج الفني وتقنيات السرد؟

□ لدينا ثلاثة أنواع من التجارب الروائية، تجارب رصينة جدا، وهو نوع قليل جدا، والنوع الثاني هو نوع له مناطق قوة وضعف، إما قوة في الفنيات أو قوة في الموضوعات، وهذا النوع يحتل نسبة كبيرة من الإنتاج الروائي، بينما النوع الثالث: هو النوع الرديء فنيا ومضمونيا، ويتواجد كتابه بسبب نوعية متلقيه، أي القراء الاستهلاكيين، التي اكتسحت أسواق معارض الكتب. عندما تكون كتابة الرواية مشروعا ثقافيا وإنسانيا لا مشروعا تجاريا فيه ربح وخسارة، سيتغير وضع الرواية العربية. بالتأكيد الجيد منها، هو متمكن من فنياته وتقنياته، ولكن من الممكن القول، إن الأجيال الإبداعية السابقة كانت، بشكل عام، أكثر تمكنا في التقنيات، من الأجيال الحالية. في رأيي، القضية ليست قضية فنيات بقدر ما هو غياب للموضوع الأصيل والنزعة التحليلية الفلسفية العميقة.

■ كيف تقرأين دور الرواية في الثقافة العربية الآن؟

□ اسأليني كيف اقرأ دور وسائل التواصل الاجتماعي في المجتمعات العربية، كيف أثر «السناب جات» و«الانستغرام» في تسطيح المجتمعات العربية أكثر، وكيف تم رسم معالم ثقافة التفاهة في المجتمع بواسطة الفاشنستات، والسياسيين ورجال الدين. الرواية العربية قد تكون أثرت في شرائح القراء الفعليين، أما التأثير في غالبية المجتمع فهذا أمر ليس ملحوظا. قد ألمح تأثير الرواية الفلسطينية في المجتمع الفلسطيني، لأن الرواية والقصيدة والمقالة الملتزمة بالتعبير والتمثيل للقضية الفلسطينية تعد بالنسبة لهم محاولة إثبات هوية يحاول طمسها المحتل باستمرار. في زمننا هذا أصبحت القراءة أولوية ثانوية، أمام هذا التعدد في وسائل الترفيه والمتعة.

■ انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة كتابة السيرة الذاتية والمذكرات، فما هي الإضافات التي تشكلها للأدب العربي، خاصة أننا كعرب لا نملك الجرأة في أن نتحدث عن أنفسنا بمصداقية وتجرد تام؟

□ عرفنا فن السيرة الذاتية كفن ظهر مع العظماء من المبدعين، بدءا من «أيام» طه حسين، و«خارج المكان» لادوارد سعيد، ولكن ما ينتشر الآن من سير ذاتية لرجال الأعمال، أو أشباه مثقفين وإعلاميين، ليس له من قيمة حقيقية سوى عند فئة المستهلكين من القراء المهتمين بهم. هذا لا يعني أن لا نتفهم السياق الثقافي المنتج لمثل هذه الأعمال، من حيث تحول دور النشر من المؤسسة الرقابية الرصينة، إلى دور تجارية بحتة. وأيضا لا ننسى التأثر بطروحات موجة ما بعد الحداثة، حيث يصبح للذات الفردية، أيا كان موقعها في الثقافة، حضور وقدرة على التعبير عن الذات. نحن في فضاء ثقافي يتعايش فيه المثقفون الحقيقون وأنصاف المثقفين وأشباههم، والمنتسبين للثقافة بالاسم أيضا. كثرة نصوص السيرة الذاتية لا تعني بالضرورة القدرة الفعلية على البوح، لأننا نتغير شكليا وتكنولوجيا، ولكن منظومة القيم والعادات والتقاليد لا تتحول سريعا، بل تحتاج إلى المزيد من الهزات الثقافية لكي نتمكن من التعبير عن الكثير من القضايا بشفافية أكثر.

■ ماذا عن منهجك في النقد؟

□ في ما يخص منهجي في النقد، بدأت أقرأ النصوص قراءة بنيوية، وبالتدريج انتقلت للجمع بين البنيوية وما بعد البنيوية، بالإضافة إلى تأثري بالنقد الغربي المعاصر من حيث طرح المفاهيم الفلسفية وتطبيقاتها في النصوص. حقيقة أنا لا أحب أن أصنف نفسي بمنهج وطريقة أو نظرية واحدة، بل أحب أن أقارب كل نص من خلال ما تفرضه عليّ عوالمه، ورؤية الثيمة المهيمنة على النص وأحلله في ضوئها، وقد أستخدم طرقا متعددة في قراءة نص ما لانفتاح النص.

■ ما موقفك من نداءات الحداثة التي تدعو إلى هدم الحواجز الشكلية بين الأشكال الأدبية الختلفة؟

□ هي ليست نداءات الحداثة، بل نداءات ما بعد الحداثة، وهي نداءات لها مشروعيتها وخلفيتها المعرفية المفهومة، من رغبة في كسر الحواجز التقليدية، واستخدام كل الإمكانيات الشكلية في الكتابة والإبداع. في الماضي كنا نبحث عن الهوية الأصيلة الثابتة، واليوم هوياتنــــا لم تستطع أن تحافظ على ثباتها ونقائها، فلم نطالب الأدب بالثبات، والفصل والعزل، بدلا من التعايش الجمالي بين الأنواع الأدبية. أنا مع هذا التداخــــل، إذا كان يعكس رؤية واضحة لاستخدام هذه الأشكال وضرورة مزجها، مع ضرورة التأكيد على وجود الأجناس الإبداعية منفردة ومستقلة، من دون تحيز وتعصب لأي من هذين التصورين لطبيعة الجنس الأدبي.

■ انطلاقا من تجربتك في الكتابة النقدية، هل ترين أن النقد العربي يتجدد مع تجدد المنجز الأدبي؟

□ نعم هناك حركة وتجدد لكنهما بطيئان جدا. دخلت موضوعات الهوية والاختلاف ولكن هناك الكثير الذي لم يتم تمثله وفهمه وإحالته في التطبيق. هناك ملمح مهم أراه يضر بالمشهد النقدي العربي، وهو التكرار الذي يعكس التبعية والتقليد، بدايات القراءات، ونتائجها متشابهة، والمفاهيم تتكرر بشكل رتيب، فما إن يجتهد أحد النقاد بالقيام بترجمة ثقافية جيدة لبعض المفاهيم، حتى تقوم مجموعة من النقاد باستهلاك المفهوم.

من الطريف أنه منذ ثمانية أعوام كنت استهل مقالتي بعتبة العنوان، ولا نزال إلى اليوم نرى من يستخدم هذه الكلمة.

■ في رأيك، هل يمكن أن نعزي سبب الاهتمام بالرواية في الدول العربية عامة، والخليج خاصة، إلى تطرقها للمسكوت عنه، خاصة في قضايا المرأة؟

□ الرواية لها حضور كبير عند القراء العرب، بعدما انكسر دور الشعر المنبري، والقصائد التي تفجر براكين الغضب في الشارع العربي، فبتراجع هذا الدور المهم للقصيدة، وتحولات القصيدة الإشكالية، أصبح للرواية دورا مهما. بالذات أن الرواية، هي فن نثري جديد نسبيا على الثقافة العربية، ومن الطريف أن الرواية فن نسوي، بينما الشعر هو فن ذكوري بامتياز. قد يكون هذا له علاقة بقضايا كثيرة تخص ما لم يقل، والرغبة في البوح، وتسجيل تفاصيل لا تتيح لنا طبيعة الشعر التكثيفية التطرق لها.

■ من خلال متابعتك للساحة الأدبية الكويتية، ما هي أبرز المعوِّقات التي تواجه الكتابة الإبداعية اليوم؟

□ ثمة معوقات ثقافية واجتماعية، وذاتية خاصة بالأدباء أنفسهم. في ما يخص الذاتية، أنا أرى أن على الأدباء في الخليج القراءة ودراسة فنيات الجنس الإبداعي قراءة عميقة لا تكتفي بقراءة المقالات الصحافية النقدية، بل تقرأ الكتب وتعرف آليات بناء نص. إضافة إلى مراجعة الموضوعات مراجعة فكرية ومعرفية، بدلا من الاكتفاء بالتمثيل لما يرصدونه من قضايا، من دون تحليل للشخصيات والظروف السوسيوثقافية التي انتجت الحالات المرصودة إبداعيا. إضافة إلى عدم فعالية الثقافة في المجتمعات الخليجية، وضعف نسبة القراء، سواء كان القارئ المثقف أو القارئ الناقد، التي تثبط من عزيمة المبدعين. ولا ننسى أن المجتمع ما زال ينظر نظرة دونية للمبدع والمثقف، مما يشكل له عوامل قهر اجتماعي. وهذه قد ننظر لها بشكل مضاعف مع الكاتبات النساء.

■ من خلال قراءتك النقدية لرواد الرواية الكويتية أمثال إسماعيل فهد وليلى العثمان، هل تشعرين بتراجع الرواية الثقافية الكويتية الحديثة أم العكس؟

□ اعتقد أن هناك تراجعا ملحوظا، وهذا التراجع مرتبط بشكل كبير بتراجع الثقافة العربية بشكل عام، فالجيل الثقافي اليوم يختلف عن جيل الرواد. النقطة الأخرى أن هذه الأجيال الإبداعية في الخليج وقعت في فخ التبعية، وما يسميه هارولد بلوم بـ«قلق التأثر»، إذ أننا نجد كتابا تابعين ومقلدين للجيل الأول من الرواد، بدلا من كونهم مؤصلين ومضيفين، المشكلة تكمن في محدودية الثقافة، وقلة الأدوات النقدية، والسقوط في تقديس آباء وأمهات الثقافة في الكويت.

وهذا التأثر واضح في أحيان كثيرة في استهلالات الأعمال، والاقتباس لشاعرة واحدة. وقد تكون صور التبعية في الموضوع، فالحكاية التقليدية ذاتها تتكرر. أشعر بأن المبدعين في الكويت يدورون في دائرة مغلقة عليهم الخروج منها، بتنويع مصادر المعرفة والتفكير الاستراتيجي الجيد، لتقديم فضاءات إبداعية أصيلة ولها أهمية في المجتمع الكويتي.

■ قلة من الروائيين العرب من سطع نجمهم عالمياً، أما البقية فقد ظل حضورهم حبيس المحلية، هل يعزى هذا الأمر إلى ضعف المنجز الأدبي أم ماذا؟

□ الموضوع له علاقة بالعلاقات الثقافية بين الوطن العربي والعالم الغربي، أنا اعتقد أنه لو كانت لدينا علاقات جيدة لكان الأمر مختلفا. الأمر الآخر، القارئ الغربي يريد أن يقرأ موضوعات فيها إضافة له، لغة جمـــــيلة، فكرة أصيلة، بيئة ثقافية لم يطلع عليها، تجربة إنسانية مختلفة.

ولو نظرنا إلى الإنتاج العربي في مجمله قصص حب وغرام، أو معالجة لقضــــــية إنسانية بإمكانيات فكرية ضعيفة، بينما بالمقابل نجد الثقافات الأخرى قدمت تجارب إبداعية فريدة استحقت أن تكون عالمية. علينا أن نفهم أن دخولنا للعالمية يكون من خلال خصوصيتنا الثقافية، والتجربة الفلسطينية دخلت العالمية من خلال التعبير عن الخصوصية الثقافية، وكونه أدبا ملتزما في تمثيل قضايا الإنسان الفلسطيني المعاصر.

القسم: