صور من جهاد أبناء الشيخ ماءالعينين بقلم ماءالعينين بوية

خميس, 06/15/2017 - 17:42
صور من جهاد أبناء الشيخ ماءالعينين  بقلم ماءالعينين بوية

الحديث عن جهاد الشيخ ماءالعينين و دوره الريادي في مقاومة الإستعمار الفرنسي، حديث ربما استفاض الكثيرون في إبراز معالمه، و لعلي في هذا المقال سأنحو و في نفس الفلك لأتحدث ولو باقتضاب عن شواهد لصنائع أبنائه و نصيبهم من جهاد المستعمر و دورهم في صناعة تاريخ المقاومة في المغرب وموريتانيا، في حياة الشيخ ماءالعينين و بعد وفاته، فالمقاومة المعينية و كما يغفل الكثيرون عن ذلك، لم تنته بمعركة سيدي بوعثمان سنة1912 ، بل استمرت زهاء العشرين سنة، استقر فيها الشيخ أحمد الهيبة  ومن بعده الشيخ مربيه ربه جبال الأطلس، ليسطر ملاحما بطولية، يعينهما في ذلك السند من الإخوة و و القبائل السوسية  و الصحراوية المجاهدة.

مع الدخول الفرنسي لموريتانيا، استنفرت القبائل و إمارات البلاد مجاهديها للقتال، و رغم أن القوم انقسموا إلى نصفين، نصف سالم المستعمر و رأى في  دخوله مصلحة للبلاد تعمها السيبة و التناحر القبلي، وبذلك أفتى الشيخ سعدبوه ابن الشيخ محمد فاضل القلقمي الإدريسي و الشيخ  بابا ولد سيديا الابييري، و نصف كان له موقف معاد للمستعمر و من أبرزه الشيخ ماءالعينين بن الشيخ محمد فاضل، و مع تقدم المستعر من الجنوب الموريتاني إلى الشمال، واصطدامه بمقاومة عنيفة من طرف أمراء شنقيط ممن لم يسلم كالأمير بكار ولد سويد أحمد أو الأمير أحمد ولد عيدة، كان الشيخ ماءالعينين قد تمكن بجهوده من التواصل بالسلطان مولاي الحفيظ، الذي أرسل ابن عمه وخليفته مولاي إدريس، حيث  انطلق بمعية الشيخ حسن ابن  الشيخ ماءالعينين و ما استجمع حوله من مجاهدين و بسلاح نوعي، للتحرك نحو تكانت، وكان من ثمار هذه الحملة المباركة، انتصار المجاهدين في معركة النيملان في شهر رمضان من سنة 1324 للهجرة الموافق لسنة 1906 ، و قد حضرها من أبناء الشيخ ماءالعينين كل من الشيخ حسن و الشيخ الولي و الشيخ الطالب أخيار...

كانت معركة النيملان صورة للتلاحم والترابط بين أهل شنقيط و الصحراء و المغرب، ومثلها وقائع كثيرة تلتها، كان لأبناء الشيخ دورا من حيث التأطير و الوساطة و الوفادة، فالشيخ ماءالعينين بعلاقاته التي رسمها بين ملوك الدولة العلوية و أمراء شنقيط، كان يبتعث بنيه من أجل ذلك، و منهم الشيخ أحمد الهيبة خليفته في الجهاد،  الذي كان والده "...يكلفه بالمهام العظيمة إلى الملوك والأمراء... "، وبذلك صنع الشيخ لولده تلك الشخصية الدبلوماسية  و القيادية التي أهلته ليحمل مشعل الجهاد بعد وفاته سنة 1910.

بعد بيعة الشيخ أحمد الهيبة في تزنيت من طرف قبائل سوس و الصحراء للجهاد، والتي قال فيها المختار السوسي في كتابه المعسول الجزء الرابع "...لم يبق أستاذ ولا صالح ولا ذو مركز إلا وانتظم في الماثلين بين يديه"ّ ، عين الشيخ ممثليه على مناطق سوس، فعين مثلا الشيخ النعمة خليفة له على  تزنيت، وجعل علي سبيل المثال أخاه الشيخ اشبيهن خليفته على ناحية تافيلالت ودرعة، و الشيخ الطالب أخيار على تارودانت وعمه الشيخ سيدي علي على تادلة...، و كل كان له دور في توجيه القبائل و تعبئتها و التواصل مع مجاهدي تلك المناطق، خاصة مع عودة الشيخ أحمد الهيبة عن مراكش، و انكسار المجاهدين في معركة سيدي بوعثمان، مواجهة كانت أيضا في رمضان 1330 الموافق سنة 1912، و لولا الخيانة و التآمر و تواضع السلاح و الخبرة لكان النصر حليفا للمجاهدين بقيادة الشيخ مربيه ربه و ابن عمه الشيخ محمد الأغظف بن مصباح....

انتقل الشيخ أحمد الهيبة من مراكش إلى تارودانت، فقد اختلط أهل النصح و الخديعة، كما قال أخوه الشيخ محمد الإمام في رسالته، و من صور البطولة المجسدة أثناء الرحيل، فك البطل محمد ماءالعينين بن الشيخ اشبيهنا للحصار الذي أقامه الكلاوي و أتباعه للفتك بالشيخ المجاهد، و قد أدى  ذلك  إلى استشهاد مجمد ماءالعينين على أ[واب المدينة و ثلة من الرجال، و تمكن أحمد الهيبة من الخروج و الإنتقال إلى تارودانت كما أسلفت، و أعقبه  المستعمر و من حالفه من قواد، ليتمركز أخيرا في كردوس، خلال هذه الفترة، لم يتوقف دور الشيوخ عن الدعم و المؤازرة و تأليب القبائل على المستعمر و أعوانه، فهذا الشيخ مربيه ربه يتنقل بين القبائل لكسب الدعم و استنهاض الهمم و جمع المال و المؤونة للجهاد، و هذا الشيخ اشبيهن بن الشيخ ماءالعينين  يستنفر قبائل درعة، وفي ذلك يقول  ابراهيم ياسين: " في بداية شهر اكتوبر 1918 برزت حركة تمرد بقيادة شبيهنة في جبل تيفرنين بين قبائل تلك النواحي لحشد الدعم للشيخ أحمد الهيبة....كما عمل على جباية الأعشار....ومن بين هده القبائل سمكان لكرارا و أيت تاسلا...."، وهذا الشيخ سيدي علي يتواصل مع مقاومة خنيفرة و الأطلس و يراسل الشيخ أحمد الهيبة بذلك ، و من بطولات المجاهدين، انتصاراتهم  بقيادة القائد الناجم و  الشيخ النعمة  و الشيخ مربيه ربه على القائد حيدة المتعاون مع الفرنسيين...ولعل السرد قد يطول بما لا يتسع  له مقال صغير، غير أن مراجع كالمعسول و كتاب الفقيه الطالب أخيار بن مامينا عن الشيخ ماءالعينين و جهاده،  تعح خيرا بسرد هذه الوقائع المباركة.

لقد حاولت من خلال هذه القراءة السريعة، إظهار بعض من معالم الجهاد المعيني، الذي كان امتدادا لجهاد الشيخ ماءالعينين من طرف أبنائه و حفدته و مريديه، و الذي استمر إلى حدود السنوات  الأربعين من القرن الماضي، وكان مثالا لعدم الاستكانة للمستعمر و رفضا للتعامل معه رغم المغريات المقدمة، فما ضعفت له أنفس قواد كالكلاوي و ولد منو و ابن ميس...لم يقبله مثلا الشيخ أحمد الهيبة.

الهوامش:

1 الشيخ ماءالعينين علماء و أمراء في مواجهة الاستعمار الأوربي جزء 1 ، و مخطوط "إثبات علماء الصحراء على ما في النسب من معاني غراء" للمؤلف ماءالعينين مربيه

ربه بن الفقيه محمد بن عبد العزيز، ص 77

2 رسالة مخطوطة للشيخ محمد الإمام بن الشيخ ماءالعينين

3 ابراهيم ياسين: جنوب أطلس مراكش تحت حكم الفرنسيين و القادة الكلاويين ص 122 _124