نواكشوط والرباط السياسة في مواجهة التاريخ/ مصطفى سيديا

اثنين, 12/26/2016 - 14:25
نواكشوط والرباط السياسة في مواجهة التاريخ/  مصطفى سيديا

تشهد العلاقة الآن بين نواكشوط والرباط واحدة من أصعب فتراتها، حيث أثارت تصريحات الأمين العام لحزب الاستقلال "حميد شباط"، وتقوله أن موريتانيا غضب "النظير" السياسي، بل والساحة السياسية بعيناتها، وغضب الإعلام، وفضاءات التدوين.

تصريحات تشم فيها رائحة الرغبة في زعزعة ما أرسته دعائم التعاون المشترك والتاريخ، والجذور، إلا أن "شباط" القريب من القصر ربما قادته أشياء أو خطط لقول ما قال.

"النظير" هنا في موريتانيا والطيف السياسي ما لبث أن رد الصاع صاعين محملا "شباط" مسؤولية ما ستنتج تصريحاته، وطالبا تارة بالاعتذار ومعللا تارة أخرى بما عرفته العلاقات الموريتانية الجزائرية من تعاون في الفترة الأخيرة، تعاون وإن لم تلمس ثمرته بعد، إلا أن لقاء ونقاشات والتزامات حصلت، تلك الجزائر هي نفسها التي تدعم جبهة البليزاريو وتحم الجبهة الشرقية للصحراء، هي نفسها أيضا التي ستفتح طريقا بريا مع موريتانيا، طريق قد يسد طرقا أخرى كانت تؤدي للرباط ربما، لكن ما كانت السيادة من قبل تثير الغضب.

فاتخاذ موريتانيا لهكذا قرارات، وتوطيدها لهكذا علاقات أمر طبيعي وحق، وليس لأحد حق الاعتراض عليه ولا التدخل فيه.

عرفت موريتانيا بموقفها المحايد من القضية الصحراوية واستنادها على المقررات الأممية ونظرة الاتحاد الإفريقي للقضية الصحراوية، وهذا الموقف ظلت عليه أنواكشوط لفترات وسنين رغم تبادل أكثر من نظام على حكم البلاد، لكنه موقف يمليه الضمير.

نظرة الرباط الضبابية لنواكشوط وان تجلت في خطاب سياسي باح به حزب ـ علمت علاقاته بالقصر الملكي ـ إلا أنها لا تخلو من كونها إشارة إلى أن ما توصلت له انواكشوط والجزائر لا محالة ينغص علاقاتها مع الرباط، ليس هذا وحده سر كل هذا الضباب، فما حصل مع الاتحاد الإفريقي وما أخفقت فيه الرباط من عدم جلب أي مناصر في اعتراضها على أن لا تكون قضية الصحراء قضية الجميع، وأنها أمر داخلي، لا شك يحسب له حسابه.

إن تصريح "شباط" وإن قرأه بعض المحللين من زاوية أنه تحفيز للضمير المغربي والجمهوري الداخلي، في وقت يفقد فيه الحزب أكثر من ثلث أنصاره ومحاولة استرجاع ما فقد عن طريق نبرة وخطاب جديدين، إلا أنه لا يمكن أن يصدر إلا بمباركة جهات عليا، وهو الأمر الذي دعا بالسياسيين في موريتانيا، وعلى رأسهم نظراء مطلقي التصريح للقول بأن هذا الخطاب، إن كان سببه مشكل الصحراء فهو لن يزيد الأمر إلا تعقيدا في إشارة للرباط بأن انواكشوط ما اتخذت موقفها المحايد المعروف إلا من باب تفادي الصدام، فموريتانيا قادرة على إعلان موقف أكثر صرامة. ضبابية الأجواء السياسية بين العاصمتين، لم تنعكس بعد على أجواء الحدود ولا على باقي التيارات والنقاط الجامعة، والتي لا شك هي أكثر من تلك المفرقة.

إن دعوة الحزب المقرب من النظام في موريتانيا، نخب حزب الإستقلال والنخب المغربية للإعتذار للشعب الموريتانية هو دليل على أن انواكشوط لم تعد تتحمل، وقد يتغير موقفها وطبيعة معاملاتها، لأنها قرأت هذا التصريح على أنه شمولي، ومن الجميع من هناك، ويعني الجميع هنا!، وهو الشيء الذي عززه من جانب "هنا" موقف وازن في الخطاب المعارض، وإبرازه أن الثوابت الوطنية خط أحمر، وأن لا دبلوماسية فيما هو مرتبط بالمساس بالوطن، وهو ما يرمز إلى توحيد الخطاب، إذا ما تعلق الأمر بالوطن، ويشكك في هذا من جهة "هناك" ما صدر من حزب الحضارة من شجب وتنديد بتصريح شباط. ولم يزل الضباب بين العاصمتين منحصر في التجاذبات السياسية والخرجات الإعلامية، وإن كان الإعلام في موريتانيا أقل خشونة في خطابه وحدة في رسالته إلا أن أقلام بعض المدونين كانت بحدة النبرة المغربية وأكثر أحيانا.

في الوقت الذي تظل فيه علاقة الشعبين علاقة أخوة وتعاون ومصير، لا تولي كبير اهتمام لما تميل به هذه الكفة أو تلك، فما يجمع الشعبين قادر على احتواء كل الخطابات وابتلاع كل الهفوات.

قراءة ومتابعة: مصطفى سيديا