
تحيي تونس غداً السبت الذكرى السادسة لثورة 14 يناير 2011، في مشهد تغلب عليه مظاهر القلق، والخوف من انزلاق الأوضاع نحو حالة من عدم الاستقرار، على غرار ما حصل في بعض دول "الربيع العربي" على غرار سوريا وليبيا، إذ إن هناك إجماعاً داخل تونس وخارجها، على أن الاستقرار الحالي هشّ.
عودة النظام القديم
في هذا السياق، يعتبر المحلل السياسي، منذر ثابت، أن التونسي لم يشعر بعد 6 سنوات بأن أوضاعه المعيشية تتحسن، بل على خلاف ذلك فإنها ازدادت سوءا، ويؤكد ثابت في تصريح لـ "العربية.نت" على أن "النخبة السياسية" التي جاءت بعد 14 يناير 2011 فشلت في إدارة البلاد وفي تقديم الحلول.
ويشير ثابت إلى أن هذا ما يفسر عودة رموز النظام القديم الذي قامت عليه الثورة إلى الواجهة، ويتابع قائلاً: إن من يحكم تونس اليوم هم رجالات اشتغلت مع بورقيبة ومع زين العابدين بن علي، وتقلدت مناصب هامة في الدولة، في إشارة لرئيس الدولة الباجي قائد السبسي، ورئيس البرلمان محمد الناصر.
كما يشدد ثابت على أن الذكرى الـ6 لانطلاقة الثورة، لم تعرف مظاهر احتفالية تذكر، باستثناء تظاهرة يتيمة في سيدي بوزيد، مهد الثورة، المدينة التي أقدم فيها محمد البوعزيزي، على حرق نفسه في 17 ديسمبر 2010، لتنطلق بعدها أحداث واضطرابات واسعة، شملت جل المدن والمحافظات التونسية، انتهت بهروب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011.
خيبة أمل شعبية
يشير غياب البعد الاحتفالي عشية هذا الحدث الهام، الذي تجاوزت تداعياته تونس وأدخلت كامل المنطقة العربية في حراك ثوري، يعود إلى حصول خيبة في الشارع التونسي.
خيبة أمل من آمال وانتظارات علقها على الثورة لتغيير واقعه، الذي يجمع المراقبون على أنه ازداد سوءا، مثلما يؤكد ذلك القيادي السابق في الحزب الشيوعي التونسي عادل الشاوش.
ويشدد عادل الشاوش في لقاء مع مراسل "العربية.نت" على أن تونس عرفت نجاحات في الجانب السياسي، من خلال تنظيم انتخابات ديمقراطية ووجود تداول سلمي على السلطة وهو جوهر الممارسة الديمقراطية برأيه.
لكن يتدارك الشاوش ليشير إلى ما وصفه بوجود فشل ذريع في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي، وهنا يشير الشاوش إلى أن الحكومات التي تداولت على الحكم بعد الثورة لم يكن لها برامج وتصورات خاصة في ما يتعلق بوضع منوال تنمية جديد، وهذا ما يفسر انزلاق البلاد نحو أزمة اقتصادية كان لها انعكاس اجتماعي سلبي، تمثل في عودة الحراك الاحتجاجي.
كما يتفهم الشاوش وجود حالة يأس وإحباط أو انكسار لدى قطاع كبير من التونسيين، ما دفع الكثير منهم إلى التشكيك في الثورة أصلا معتبرين أنها "مغامرة" قامت بها قوى خارجية، ولم تكن تعبر عن مطلب مجتمعي داخلي.
في المقابل هناك من يزال يتمسك بأن ما حصل ثورة، وأن الحراك الثوري سوف يستمر حتى تحقيق وعوده.
حراك ثوري مستمر
بعد 6 سنوات، بقيت الآمال معلقة، كما تراجع حتى الحق في الحلم، لكن مع ذلك فإن هناك وعياً صامداً بأنه لا يجب الانسياق وراء دعوات تروج لشيطنة التغيير والحنين إلى إعادة إنتاج ما قبل الثورة.
ويرى أصحاب هذا الرأي أن التحولات الكبرى في تاريخ الشعوب لا تتحقق بقرار بل هي مسار وسيرورة.
وبرأيهم فإن المهم هو الإبقاء على روح الثورة، من خلال اليقظة المستمرة لكل ما من شأنه أن يساعد على الردة إلى الوراء، معتبرين أن التأسيس مهمة شاقة وليس في مأمن من الانتكاسات، التي تقودها قوى ترفض التغيير وتعاديه، لأنه في النقيض مع مصالحها.
في هذا الإطار، يرى الناشط السياسي عبدالواحد اليحياوي في تصريح لـ "العربية.نت" أنه "وبرغم الانتكاسات والتراجعات فإن مسار الثورة التونسية لا يزال عند ما أسميه الحد الأدنى الثوري، وهو معطى مستمد من التجربة التاريخية للثورات".
ويرى اليحياوي "أن الثورة الفرنسية مثلا عرفت الصراعات السياسية والأيديولوجية، كما عرفت صعود العسكر وعودة الملكية القديمة وكذلك محن اقتصادية ومجاعات وأوبئة نجد وقائعها في الكتاب الشهير لفيكتور هوغو "البؤساء"، ولكن اتضح بعد ذلك أن الثورة كانت تحفر أعمق من النظام السابق لأنها تحفر مجرى جديدا في أفق التاريخ حيث الثورة أقوى من إرادة وبنى الأنظمة القديمة لذلك فقد تغيرت فرنسا والعالم إلى الأبد وظهرت الحداثة القيمية والسياسية كأفق وحيد للتاريخ".
وبالنسبة لليحياوي فإن الثورة التونسية أيضا غيرت وستغير المنطقة العربية الإسلامية نحو تكريس الحرية".
قلق جماعي وخوف من القادم
إن السمة الغالبة على المشهد التونسي بعد 6 سنوات من الثورة، هي وجود حالة قلق تكاد تكون عامة وشاملة، أحزاب قلقة، مسجد قلق، منظمات قلقة.
هذا القلق يتغذى من غياب رؤية واضحة لإدارة البلاد، ومواجهة مشاكلها التي أصبحت مستعصية، وتهدد وحدة المجتمع واستمرار كيان الدولة.
إلى جانب تصاعد الخطر الإرهابي، الذي أربك الوضع وفرض على التونسيين التعايش معه، من دون أن ننسى أنه ضرب النشاط الاقتصادي، ما جعل نسبة النمو تتدحرج إلى أقل من واحد بالمائة.
وهذا ما أدخل البلاد، في أتون أزمة اجتماعية تعد بمثابة قنبلة موقوتة تهدد الأخضر واليابس، وتمثل خطرا محدقا يهدد مسار الانتقال الديمقراطي الناجح إلى حد الآن، برغم أنه يبقى مساراً هشاً ومهدداً بالانتكاس.