إن تصويب الخطاب الإسلامي يحتاج إلى معرفة حقيقة رسالة الإسلام وأهدافها لما ينفع الناس ويصلح حالهم وينير طريقهم في الحياة الدنيا لعيشوا حياتهم في المجتمعات الإنسانية في كل مكان بأمن وسلام وسعادة وحياة طيبة.
فليس الإسلام مختزل في ركعات أو دعوات أو صلاة على الرسول أو زكاة وصيام وحج بيت الله الحرام أو شعارات أو تكبيرات وتهليلات أو روايات تقرأ على المصلّين تزيدهم ضلالاً وهي محض افتراءات على الله ورسوله عليه السلام، تحرّض على الكراهية بين المسلمين لنشر الفتن، ويشوّهون رسالة الإسلام لمعاداة غيرهم من أصحاب العقائد والأديان الأخرى، ليكون المصدقون لهم على استعداد دائم للاقتتال مع الناس مسلمين أو غير مسلمين، فليس ذلك هو حقيقة الخطاب الإلهي لعباده الذي وضع في آياته من التشريعات والتوصيات والعظات والأحكام والأخلاقيات أسساً لبناء المجتمعات الإنسانية على أساس العدل والرحمة والأخلاق والحرية والسلام والإحسان والتعامل بين الناس بالرأفة والتسامح والمودة والتعاون على البر والتقوى، وتحريم التعاون على الإثم والعدوان، تنفيذاً لشريعة الله في أمره سبحانه للناس جميعاً: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: 2).
فالإسلام إنما هو عمل الصالحات بكل ما تعنيه الكلمة وكما بينه كتاب الله في آياته البينات، حيث يقول سبحانه: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت: 33).
وقال سبحانه مخاطباً رسوله عليه السلام ليعرّف نفسه للناس جميعاً: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف: 110)،
ثم يقول سبحانه: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة: 177)،
ويقول سبحانه مخاطباً الإنسان: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص: 77)،
ويقول سبحانه يصف المؤمنين: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)) (المؤمنون: 1-8)، ويقول سبحانه: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران: 134).
تلك الآيات تحدد بعض شروط المسلم إضافة إلى الأخلاقيات التي جعلها الله سيرة لرسوله في تعامله مع الناس وسنته الحقيقية لصياغة شخصية المسلم وجعله قدوة ليتأسى به المؤمنون.
فإذا تخلّى المسلم عن القواعد التي وضعها الله للناس ولم يطبق أوامره وتعليماته التي ترشده إلى حياة طيبة آمنة تأكيداً لدعوة الله سبحانه للناس بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال: 24).
ووعد الله سبحانه الناس بقوله: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل: 97).
ويؤكد سبحانه وتعالى ليتحقق للناس الحياة الطيبة عليهم اتباع قوله: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ) (طه: 123).
سيعيش حياته في الدنيا معززاً مكرماً تحت مظلة السلام والطمأنينة في ظل التكافل الاجتماعي وتعاون أفراد المجتمع على تلبية المتطلبات الضرورية للإنسان تطبيقاً للتشريع الإلهي في قوله سبحانه: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)) (المعارج: 24-25).