في مواجهة المستقبل : بقلم المفكر العربي علي الشرفاء الحمادي

أحد, 08/25/2024 - 08:34

كما هو معروف أن لكل شعب وكل قطر ظروفه الاجتماعية والتاريخية، قد لا تتشابه مع المجتمعات الأخرى، ولكن ليس معنى ذلك أن لا نستفيد من تجارب تلك المجتمعات التي سبقتنا في التطور وواجهت كثيراً من المشكلات وأوجدت لها الحلول نتيجة المعاناة وعن طريق الصواب والخطأ تكشفت لها الأمور وبدأت في معالجتها. وكل تجربة في العالم لأي مجتمع تساهم في البناء الحضاري للإنسان.

وحيث أننا في هذه الظروف التي تمر بها منطقتنا نواجه المستقبل بمشاكله وأخطاره، يحتم علينا أن نتمعن في تجارب الدول التي سبقتنا في التقدم ونتمعن في التقدم ونتعمق في دراسة مشاكلها وحلولها كي نستطيع أن نستخرج محصلة تلك التجارب لتقودنا في مواجهة المستقبل، كما يجب أن نضع في الاعتبار جميع الاحتمالات التي نتمكن من معالجتها إذا وقعت وتكون نتيجة الخطأ أقل بكثير مما لو أهملنا جميع الاحتمالات لأسوأ التقديرات.

أرى أن نبدأ كمواطنين مخلصين لنتبين معالم هذا المستقبل وما هو هذا المستقبل، بقدر تفكيرنا لنصل إلى نتيجة، وهذه النتيجة في تصورنا تقول إن المستقبل هو «التخطيط المبني على قواعد علمية سليمة ليصل أي مجتمع إلى مراحل التقدم المطلوبة للعمل الجاد والأمين والتسابق مع الزمن».

ثم يستجد سؤال آخر هل ذلك مرهون بزمن ومكان معين، وكما حيث كما ذكرت بأن الحضارة الإنسانية تتفاعل في جميع المجتمعات وتؤثر بالتالي في خط سير المجتمع نحو المستقبل المنشود، كما أن الزمان لا يمكن تمديده بل كل يوم يستجد جديد، ولابد من الإلحاق بالجديد قبل فوات الأوان، ومهما استطاع أي مجتمع من الوصول إلى مرحلة من مراحل التقدم سيظل قاصرًا من الوصول إلى الكمال وتلك هي حكمة الخالق، تطور مستمر في الكائنات والأكوان.

ومن هذين السؤالين يبرز سؤال ثالث هو ما يعنيها: كيف نبني المستقبل؟ واعتقد بأن بناء المستقبل أمر لا يستهان به ويأتي ذلك من محصلة التخطيط له ومراحله الأساسية وهي كما يلي:

أولًا: التخطيط الاقتصادي:

هو بالدرجة الأولى البحث عن الوسائل التي نتمكن بها من زيادة دخلنا القومي، لتلبية احتياجات المستقبل، ودراسة أمينة مخلصة لمجالات الخدمات العامة كالمشاريع الإنشائية بحيث يكون كل مشروع قد وضعت حساباته بكل دقة على أساس من المتانة والقوة حتى لا نعود مرة ثانية لمعالجة ما استجد فيه من مشاكل وما طرأ عليه من تصدع نتيجة لخطأ في الدراسة والحسابات ونبدأ من جديد للصرف عليه كلما استجد خطأ وهذا هَدْرُ للميزانية العامة لأي دولة.

ولا يمكن تلافي ذلك إلا وبإحساس بالمسئولية وقدرة على تقييم الأمور ولابد من أن يسير التخطيط الاقتصادي مع التخطيط الاجتماعي جنباً إلى جنب نظراً لما بينهما من ارتباط وثيق في رسم معالم المستقبل.

ثانيًا: التخطيط الاجتماعي:

هو عبارة عن تنظيم أمور المجتمع وتوضيح علاقاته بين أفراده وبين الدولة تبني على أساس من العدالة الاجتماعية كالجشع وعدم الشعور بالمسئولية والانحراف ودراسة مشاكله ومعالجتها قبل أن تستفحل وتأمين أرزاقه، حيث أنه إذا أهمل التخطيط الاجتماعي ليشارك عقبة في بناء المستقبل. ومن هنا أرى ضرورة التخطيط الاجتماعي سيشكل في بناء المستقبل مع التخطيط الاقتصادي والتخطيط التربوي ولابد من إيجاد توافق بين تلك العوامل كل يسير في خط مرسوم.

ثالثًا: التخطيط التربوي:

هو بناء إنسان المستقبل بتأهيله علماً وكفاءةً لسد حاجة البناء الحضاري لهذا الوطن في جميع مجالاته كالطب والهندسة والمحاماة والصحافة والاجتماع واللغه والأدب والمسرع اللغوي والموسيقى.. الخ، الأمر الذي يمكننا من إعداد الجهاز الكفء لذلك البناء كي يكون الاداة الأمينة لتحقيق تصوراتنا للمستقبل والقوة المخلصة التي تحمي مكاسب الوطن. وما بين التخطيط التربوي والتخطيط الاجتماعي من ارتباط وثيق لا ينقصم تحتم تلك النتيجة عدم إهمال هذا العامل بل لابد من وضعه في خط يسير مع العوامل التي ذكرتها ليقوم بناء المستقبل المنشود.

رابعًا: التخطيط السياسي:

وذلك لضمان الاستقرار والأمان بحيث يتمكن المجتمع من التقدم دون عراقيل ومشاكل سياسية تحد من حركة التقدم أو قد تؤخره. ودليل على ذلك أننا نتيجة لظروف سياسية أعاقتنا من مواكبة التطور وتتحمل اليوم كل تبعات الماضي والتي تحد من اللحاق بالدول المتقدمة، وحيث أن القوى الخيرة في أي مجتمع تسعى مخلصة دائماً بما تمكنها القدرة على التفكير في المساهمة الأمنية في تصور معالم المستقبل والمشاركة الجادة في ذلك البناء وجدت لزاماً عليّ أن أقول أن المستقبل هدية غيبية لا تعطى إلا لمن يحب الحياة ويعمل من أجل رفعتها وشموخها.