
لا يختلف اثنان على أن ظاهرة الطلاق أصبحت من أبرز التحديات التي تعصف بالمجتمعات الإسلامية في العصر الحديث، فلم يعد الطلاق مجرد انفصال بين زوجين، بل تحوّل إلى أزمة مجتمعية لها آثار نفسية واجتماعية واقتصادية عميقة، تؤثر في استقرار الأسرة وتنعكس سلبًا على أمن المجتمع ككل.
وسط هذا الواقع المقلق، يطل المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي من خلال كتابه النفيس "الطلاق يهدد أمن المجتمع"، حاملاً فكرًا إصلاحيًا عميقًا يتجاوز النظرة التقليدية إلى الظاهرة، ويطرح رؤية جديدة تنطلق من القرآن الكريم كمصدر أول ومطلق للهداية والتشريع، لا تشوبه روايات متناقضة أو اجتهادات بشرية قاصرة.
يمتاز طرح المفكر الشرفاء بكونه لا يقتصر على معالجة الظاهرة من جانبها الفقهي أو الاجتماعي، بل يغوص في أعماقها ليكشف عن الأبعاد الدينية والثقافية التي ساهمت في تفشيها، وفي مقدمة معضلة: الطلاق الشفهي، الذي يُمارس بناء على فتاوى واجتهادات بعيدة كل البعد عن مقاصد الشريعة وروح القرآن، فهو يرفض هذا النوع من الطلاق الذي يهدم بيتا بكلمة، ويترك المرأة والأبناء في مهب المجهول، دون إشهاد أو توثيق أو عدل.
يوضح المفكر الشرفاء بناء على منهج رباني عميق، أن الطلاق لا يُعد مسألة شخصية أو قرارا عاطفيًا بين طرفين فحسب، بل هو فعل يمس أمن المجتمع واستقراره، فحين تنهار الأسرة، تضعف التربية، ويتأثر الأبناء نفسيا واجتماعيا، وتفتح أبواب الفقر والانحراف والجريمة، ما يجعل من ظاهرة الطلاق قنبلة موقوتة تهدد مستقبل الأجيال.
وهنا تبرز قوة الحق عند المفكر في تناول القضية، فهو لا يهادن، ولا يكتفي بالتشخيص، بل يربط بين انهيار الأسرة وتداعياته على البنية الأخلاقية والاجتماعية للمجتمع المسلم.
يؤكد المفكر الشرفاء أن العودة إلى القرآن الكريم كمرجعية أولى ونهائية في معالجة هذه القضية هو السبيل الوحيد للخروج من المأزق، فالقرآن، كما يبين، قدّم نظامًا متكاملًا يحكم العلاقة الزوجية منذ بدايتها وحتى نهايتها، يقوم على التدرج، والحكمة، والموعظة، والتحكيم، والإشهاد، والتوثيق. ولم يجعل الطلاق خيارا سهلا، بل آخر الحلول بعد استنفاد سبل الإصلاح.
وفي هذا السياق، يشدد الشرفاء على أن الإسلام أراد للأسرة أن تُبنى على المودة والرحمة، وأن تحفظ حقوق جميع الأطراف، لا أن تُختزل في كلمة طائشة أو حكم متسرع يدمر حياة كاملة.
لا يكتفي المفكر علي الشرفاء بتحديد الخلل، بل يقدّم رؤية متكاملة للحل، تنبع من هدي القرآن ومقاصده، ومن الواقع ومتطلباته، مطالبا بالانسجام مع النص القرآني، وليس مع روايات متضاربة.
ما يميز فكر الشرفاء أنه لا يكتفي بالنقد أو التنظير، بل يحمل رؤية إنسانية عميقة، تُعلي من قيمة الإنسان وتدافع عن كرامته، وخاصة في محيط الأسرة.
في زمن طغت فيه النزعة الفردية، وتراجعت فيه قيم الحوار والتسامح، يقدم المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي فكرا إنسانيا متجددا، يعيد المسلمين إلى القرءان الكريم، إلى النبع الصافي، إلى منهج رباني قائم على الحكمة والعدل والمودة والرحمة.