
في زمن يندر فيه القادة الذين يرفعون راية شعوبهم قبل مصالحهم الشخصية، يتجلى رئيس بوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري كأحد الأصوات النادرة التي تشقّ طريقها بشجاعة في فضاء السياسة الإفريقية، حاملاً طموح أمة، وكرامة قارة، وروح مقاومة لم تنطفئ رغم قرون من الاستعمار والهيمنة والتبعية.
ولد إبراهيم تراوري في بيئة متواضعة، وترعرع وسط شعب يعلم تمامًا معنى الفقر، والحرمان، والتهميش، مما صقل شخصيته، وربّى فيه الإحساس العميق بالظلم التاريخي الذي تعرّضت له بلاده والقارة الإفريقية ككل.
وبخلاف كثير من السياسيين، لم يأتِ تراوري من خلفية نخبويّة مرتهنة، بل خرج من صفوف الشعب، وتعلّم لغة الكفاح قبل لغة السياسة.
منذ تولّيه رئاسة بوركينا فاسو، لم يتردد تراوري في مواجهة الإرث الثقيل من التبعية الاقتصادية والسياسية للغرب، متخذًا مواقف صريحة وجريئة تدعو إلى إنهاء النهب الممنهج لثروات إفريقيا، واستعادة السيادة الكاملة على القرار الوطني، بعد عقود من النهب والقتل والاستعبادة من الغرب.
لا يتحدث تراوري بلغة دبلوماسية غامضة، بل بلغة واضحة، يفهمها الفلاح في الريف، والجندي في الجبهة، والمثقف في المدن، يقول ما يؤمن به، ويفعل ما يعد به، وهذا ما جعله يلقى احترامًا واسعًا داخل القارة وخارجها.
رؤية الرئيس تراوري لا تقتصر على حدود بوركينا فاسو، بل تتسع لتشمل وحدة إفريقية حقيقية، مبنية على الكرامة، والاستقلال، والتكامل الإقليمي فهو يدرك تمامًا أن مشاكل إفريقيا ليست محلية فحسب، بل مترابطة، وأن خلاصها لا يكون إلا بتعاون شعوبها ورفضها المشترك للخضوع للأنظمة الدولية التي صاغها المستعمرون لخدمة مصالحهم.
هذا الطموح القاري يذكّر بكبار رموز إفريقيا التحررية، لكن ما يميز تراوري هو أنه يحمل هذه الروح في زمن صعب، حيث يتعرض القادة الأحرار للحصار والتشويه والضغوط الخارجية.
ليس غريبًا أن تلتف حوله شرائح واسعة من الشعب، خاصة الشباب الذين رأوا فيه نموذجًا لقائد قريب من قلوبهم، يعيش همومهم، ويخاطب عقولهم، ولا يُساوم على كرامتهم. ففي عالم تكثر فيه الشعارات الفارغة، يُمثّل تراوري نَفَسًا جديدًا وأملاً في التغيير الجذري في كافة ربوع القارة.