
لقد ظلّت "الفتوحات الإسلامية" لعقود طويلة تُقدَّم في الخطاب الديني بعتبارها مصدرًا للفخر التاريخي، لكن هذا التصور، الذي ترسّخ عبر روايات ومرويات متراكمة، بدأ يتعرض لمساءلة نقدية واعية، خصوصًا حين يُعاد تفكيكه في ضوء القرآن الكريم، بوصفه المرجعية الأولى للمسلمين.
من أبرز المفكرين الذين ناقسو هذا الموضوع بمنهجية عميقة وبجرأة علمية وروحية عالية، يأتي المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحماديشلثش، الذي طرح مراجعة صريحة لمفهوم الفتوحات، داعيًا إلى تنقية صورة الإسلام من ما لحق بها من تشوهات عبر التاريخ، وإلى العودة الصادقة إلى رسالة القرآن النقية، التي تقوم على الحرية والعدل والسلام، لا القهر والهيمنة.
يؤكد الشرفاء الحمادي، بأسلوب منهجي وعلمي عميق في العديد من كتاباته ومؤلفاته، أن الإسلام دين اختاره الله ليحرر الإنسان، لا ليُخضعه، وأن حرية العقيدة أصل قرآني راسخ، عبّرت عنه عدة آيات منها:
{لا إكراه في الدين} (البقرة: 256) {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} (الكهف: 29).
ينطلق المفكر الشرفاء من عمق النصوص القرآنية ليؤكد أن الدعوة إلى الإسلام يجب أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة، لا بالسيف، وأن الهداية شأن رباني، لا يمكن فرضه من خلال الفتوحات العسكرية أو سلطة الحاكم.
ينبّه الشرفاء إلى خطورة ما يسميه الخطاب الديني المُسيّس، الذي حوّل الإسلام من رسالة رحمة إلى أداة تسويغ للعنف والتسلط، من خلال الاعتماد على روايات تاريخية، أو أحاديث فهمت في غير سياقاتها، لتبرير أفعال الحكّام والولاة.
وفي هذا الإطار، يدعو الشرفاء إلى العودة للقرآن، بوصفه مصدر التشريع الإسلام، والميزان الذي توزن به الأقوال والأفعال، قديمها وحديثها.
إن الدعوة التي يطلقها المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي ليست طعنًا في التاريخ الإسلامي، ولا تحقيرًا لإنجازات الأمة، بل هي مصالحة صادقة مع الذات الإسلامية، تعترف بالأخطاء، وتضعها في سياقها، وتُفرّق بين الإسلام كدين إلهي، وبين ما مارسه بعض المسلمين من انحرافات، بدافع السلطة أو الطمع أو سوء الفهم.
وختاما على المسلمين أن يدركوا أن الطريق إلى نهضة إسلامية معاصرة يبدأ، وفق رؤية المفكر الشرفاء، من إعادة قراءة التراث بعين القرآن، وتنقية الدين من كل ما علق به من شوائب السياسة، وتقديم الإسلام للعالم كما هو دين حرية ورحمة وعدالة إنسانية شاملة.