مجدى طنطاوى يكتب.. ترامب ينسف الغرب فهل يستيقظ العرب من سباتهم

سبت, 12/06/2025 - 10:56

يشهد العالم اليوم لحظة تحولات عميقة تقودها سياسات امريكية جديدة تعيد رسم شكل القوة داخل النظام الدولي وتفتح الباب امام قراءة مختلفة لمستقبل الغرب والعالم والشرق الاوسط فبعد عقود كان فيها الغرب وحدة سياسية واقتصادية وعسكرية متماسكة يظهر الآن شرخ متسع بين ضفتي الاطلسي وهو شرخ لم يأت من فراغ بل من تغير في اولويات واشنطن ومن تشكيك متزايد في قدرة اوروبا على البقاء موحدة ومتماسكة وذات ارادة مستقلة بسبب كثرة المهاجرين لديها كما قال ترامب.

اقرأ أيضا: مجدى طنطاوى يكتب: زايد القائد الأمين وشهادة علي محمد الشرفاء التي خلدها التاريخ

الاستراتيجية الامريكية الجديدة تقوم على مبدأ جوهري هو ان امريكا لامريكا وان زمن التمويل العسكري والسياسي غير المشروط للحلفاء قد انتهى وان على اوروبا ان تتحمل مسؤولية امنها بنفسها وان تعيد النظر في هويتها وواقعها وامنها وتوجهاتها وهذا الموقف لا يعكس فقط مزاج ادارة تقودها توجهات قومية بل يعكس شعورا امريكيا عاما بأن التحالفات القديمة لم تعد تخدم مصالح واشنطن في عالم تشتد فيه المنافسة مع الصين ويتعاظم فيه ثقل آسيا اقتصاديا وسياسيا

هذا التراجع في الالتزام الامريكي يضع اوروبا في لحظة كشف كبرى فهي تواجه تحديات داخلية اقتصادية وديموغرافية وثقافية تجعلها اكثر هشاشة مما تبدو عليه في الخطابات الرسمية وهي تدرك ان زمن الاعتماد الكامل على القوة الامريكية كمظلة امنية وسياسية يقترب من نهايته وان عليها ان تقرر بسرعة ان كانت ستصبح قوة مستقلة ام ستظل منطقة نفوذ متنازع عليها بين واشنطن وموسكو وبكين

في خضم هذا التحول العالمي يتقدم الشرق الاوسط ليشغل موقعا مختلفا عما كان عليه طوال عقود صراعاته لم تعد محور اهتمام القوة العظمى وصوره القديمة كمسرح حروب وتدخلات قديمة بدأت تتبدل وتحل محلها رؤى اقتصادية وتجارية تعتمد على الشراكات والاستثمارات وتوظيف الموقع الجغرافي والطاقة والتقنية والمتغيرات الاجتماعية وهذا التبدل لا يعني غياب الصراعات لكنه يعني ان طبيعتها تتغير وان وزنها في حسابات القوى الكبرى يتراجع لصالح اولويات اوسع

الذي يحدث اليوم ليس سقوط الغرب ولا نهاية هيمنته بل تحوله من نموذج واحد مغلق الى مزيج متنوع من القوى والمراكز والولاءات فلم يعد الغرب مجموعة قيم متجانسة كما كان طوال الحرب الباردة ولم تعد اوروبا وامريكا كتلة واحدة تتحرك بقرار واحد بل اصبحت هناك تعددية داخل الغرب نفسه وصراع خفي بين رؤيتين رؤية تريد بقاء الغرب كتكتل عابر للحدود ورؤية امريكية جديدة ترى ان لكل منطقة قدرها وان على كل حليف ان ينهض بذاته

العالم يتحرك نحو تعددية حقيقية في القوة والتأثير والشرق الاوسط جزء من هذه الحركة لكنه هذه المرة ليس ساحة صراع فقط بل ساحة بناء وصياغة جديدة فالتجارة والاستثمار والربط اللوجستي والطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي كلها مسارات تصنع مكانة المنطقة في المرحلة المقبلة وتفتح لها فرصة لكي تكون لاعبا لا مجرد ساحة

الدائرة فعلا دارت ولكنها لم تغلق بعد فالمشهد لا يزال مفتوحا والتاريخ يكتب انعطافة جديدة بين قوة امريكا وتردد اوروبا وصعود آسيا وتوازنات الشرق الاوسط اما السؤال الحاسم فهو من سيقرأ التحول مبكرا ومن سيجيد التكيف معه ومن سيتأخر حتى يجد نفسه خارج اللعبة.

القسم: