يدور في هذه الأيام نقاش قوي داخل فسطاط المعارضة، فهناك من يرى بأن المشاركة في الاستفتاء هي الخيار الأفضل، وهناك من يرى بأن خيار المقاطعة هو الأفضل. هذا التباين في المواقف يستدعي تقديم جملة من الإيضاحات:
أولها : إن مقاطعة الانتخابات أو الاستفتاءات ليست هدفا في حد ذاته، كما أن المشاركة ليست هدفا في حد ذاته.
إن المقاطعة والمشاركة في أي انتخابات تبقى في النهاية مجرد وسيلة لتحقيق أهداف ومكاسب سياسية محددة.
ثانيها: إن أي مقاطعة للانتخابات لا تصاحبها أنشطة احتجاجية لإرباك العملية الانتخابية ستبقى في النهاية مجرد قرار عبثي بلا جدوى، وإن أي مشاركة في الانتخابات لا يمتلك أصحابها القدرة على انتزاع مكاسب انتخابية ستبقى هي أيضا مجرد قرار عبثي بلا جدوى.
ثالثها : إن اتخاذ قرار بالمقاطعة أو المشاركة في الاستفتاء يبقى في النهاية مجرد اجتهاد سياسي يكسب صاحبه إن أصاب ويعذر إن أخطأ، ولكن بشرط أن يجتهد وأن يقلب الأمر على كل أوجهه من قبل اتخاذ ذلك القرار.
رابعها: في حالة عدم تطابق الآراء بين مكونات الطيف المعارض يكون الفريق الخاطئ في هذه الحالة هو ذلك الفريق الذي يمثل الأقلية، سواء كان قد اتخذ قرارا بالمشاركة أو بالمقاطعة، فكما قلنا سابقا فإن المقاطعة والمشاركة هما مجرد اجتهاد سياسي، ولكن عندما تتفق الأغلبية على المقاطعة أو المشاركة، فإنه في هذه الحالة يلغى باب الاجتهاد أمام الأقلية، وتكون هذه الأقلية ملزمة بالانصياع إلى القرار الذي اتخذته الأغلبية.
خامسها: سيبقى موقف المعارضة صائبا إن هي أجمعت على المقاطعة أو إن هي أجمعت على المشاركة. إن الخطأ سيحصل عندما لا يكون هناك إجماع على قرار واحد، وإن مسؤولية ذلك الخطأ ستتحمله الأقلية سواء كان قرارها هو المقاطعة أو كان المشاركة.
تلكم كانت مجرد إيضاحات عامة يمكن تقديمها عند أي عملية انتخابية بما فيها الاستفتاء على التعديلات الدستورية، ولكن يبقى للاستفتاء الدستوري خصوصيته، والتي تستوجب هي بدورها تقديم جملة أخرى من الإيضاحات لعل من أهمها:
1 ـ إن مشاركة المعارضة في الاستفتاء ستضعها في موقف سياسي محرج، وذلك لأنها ستشارك في استفتاء كانت تصفه وإلى وقت قريب بأنه استفتاء غير دستوري. فبأي حجة ستبرر المعارضة التي ترفع شعار الدفاع عن الدستور مشاركتها في استفتاء غير دستوري؟
2 ـ إن مشاركة المعارضة في الاستفتاء سيعتبرها النظام تشريعا للاستفتاء وللحوار الأحادي الذي لم تشارك فيه المعارضة، والتي يفترض بأنها غير معنية أصلا بمخرجاته.
3 ـ أما عن إيجابيات المشاركة في الاستفتاء فإنها تتمثل في أن المشاركة قد تمكن المعارضة من إظهار حجم الرفض الشعبي للاستفتاء، كما أنها قد تتيح لها الفرصة بأن تراقب العملية الانتخابية، وأن تحول إلى حد ما دون التزوير الواسع وملأ صناديق الاقتراع ببطاقات "نعم".
إن السؤال الأهم الذي يجب أن يطرح في هذا المقام هو : هل المعارضة في وضعيتها الحالية أكثر قدرة على إرباك العملية الانتخابية أم أنها أكثر قدرة على انتزاع مكاسب من العملية الانتخابية، فإذا كانت أكثر قدرة على إرباك العملية الانتخابية فإن المقاطعة ستكون هي الخيار الأفضل، أما إذا كانت أكثر قدرة على تحقيق مكاسب انتخابية، فإن المشاركة في هذه الحالة ستكون هي الخيار الأفضل.
ويبقى سؤال آخر أكثر أهمية: هل هناك إمكانية ما لأن تجمع المعارضة بين إيجابيات المشاركة والمقاطعة، وأن تتجنب في الوقت نفسه سلبيات المقاطعة والمشاركة؟
هذا سؤال كنا قد قدمنا له إجابة على منصة الكترونية متخصصة في قضايا التعديلات الدستورية وفرض التناوب السلمي على السلطة في منتصف العام 2019، وقد كان من المفترض أن يتم إطلاق هذه المنصة مع بداية الشهر الكريم، ولكن بعض الظروف القاهرة حالت دون ذلك، ونحن نعمل الآن من أجل إطلاقها في أقرب وقت ممكن.
إن الجواب الذي قدمته المنصة على السؤال أعلاه، وهو الجواب الذي كان من المفترض أن تتم مناقشته من طرف جمهور المنصة يتمثل فيما يلي:
1 ـ أن يقاطع المنتدى والتكتل الاستفتاء المنتظر
2 ـ أن يُسمح لأحد الأحزاب المعارضة للتعديلات الدستورية بالمشاركة في الاستفتاء ويتعلق الأمر هنا بحزب الصواب أو الوطن أو "إيناد".
3 ـ يضع المنتدى والتكتل مناضليه تحت تصرف الحزب المشارك في الاستفتاء، وذلك للمساهمة في عملية المراقبة وفي كشف وتوثيق ما سيتم من عمليات التزوير، وبذلك تكون المعارضة قد جمعت في الوقت نفسه بين إيجابيات المقاطعة والمشاركة.
حفظ الله موريتانيا..
بقلم / محمد الأمين ولد الفاضل