لا شك في أن الممثلة الإيرانية العالمية "غولشيفته فرحاني" منحت الشريط ثقلاً نوعياً بحرفيتها في الأداء لأن دور "ندى" يحتاج إلى ملء فراغ غياب الشريك في البطولة، بحيث تستند إلى فعله أمام الكاميرا لإطلاق ردة فعل مناسبة، رغم شخصية الفتى إبن الضيعة التي عادت إليها لمعرفة مصير جدّها الذي عاشت وإياه ذكريات طفولية رائعة من حنان و مؤانسة، في مقابل مشاهد لا تبرح مخيلتها لعدد من الشباب إعتادوا إنتظاره في مكان محدد فيتركها وهي طفلة على مسافة أمتار من المكان لترى مباشرة كيف يتناوبون على ضربه، وتواجد "ندى" لاحقاً مع شقيقها سام ( مكسيميليان سويرين) الذي لاقاها آتياً من باريس مرسلاً من والده لبيع منزل العائلة الذي تتمسك به "ندى"بشكل عنيد، رغم ما يتبين لاحقاً من أن الجد ليس ضحية بل هو جلاّد وفي رقبته العديد من الضحايا البريئة.
وحرب لبنان، أو الحرب عليه، ما زالت موضوعاً جاذباً للسينمائيين اللبنانيين، ولكل منهم وجهة نظر تتناقض غالباً وتنسجم أحياناً، فكيف إذا ما تعلق الأمر بـ "نوستالجيا" لفتاة شهدت وهي طفلة بالعين المجردة ضرب جدها على يد مجموعة شباب فتصوّرت أنه بريء، لتكتشف لاحقاً أنه أحد أمراء الحرب، وقد إرتكب عدداً من الجرائم، وهو هرب من القرية إلى أخرى حتى لا يطاله أقارب من قتلهم
"روحي" وعنوانه العالمي" go home" للمخرجة المولودة في لبنان "جيهان شعيب" التي ترعرعت في المكسيك ثم جالت أرجاء المتوسط وبعض المهرجانات في محطات من العالم، تستقبله الشاشات اللبنانية بدءاً من 22 حزيران/يونيو الجاري، بعد أسبوع من مباشرة تونس تقديمه على شاشاتها، وأشهر من عرضه في مهرجان دبي السينمائي الدولي. قُدّم الفيلم في عرض خاص على شاشة "متروبوليس- أمبير" وسط كثافة كبيرة في الحضور، أعقبتها حلقة نقاش مع المخرجة حول ظروف الإنتاج وتأخر موعد العرض في بيروت حتى الآن، وكانت كل إجاباتها بالفرنسية لأنها غير قادرة على التعبير بالعربية، التي هي جزء من اللغة الحوارية المعتمدة في السياق الفيلمي.
صوت الأذان حيناً، والتلاوات القرآنية حيناً آخر، في خلفية المشاهد، توحي بأن البلدة متنوعة الإنتماء الديني وكلمة"هوديك" في الفيلم، على أساس أنهم: "فعلوا، وإرتكبوا، و و"، عادت وتوازنت مع إكتشاف أن الجد شاغل بال الشابة"ندى" لم يكن سوى قاتل، وهو هرب ومات في جنوب لبنان، من دون الإشارة إلى وفاته الطبيعية أم الإغتيال على مثال الكثيرين من أمراء الحرب. وكان لحضور الكبيرتين"ميراي معلوف"(نور) و"جوليا قصار"( كوليت) القصير فعل خاص لا تستطيعه إلاّ الكبيرات في المهنة.وحضرت الموسيقى التصويرية بفعالية وتناسق مع بشار مرسيل خليفة، وبياتريس ويك.ولأن الكل تورط في الحرب رضخ الجميع لمنطق "عفا الله عما مضى".