أثارت قضية رفض السلطات الموريتانية السماح لوفد “حقوقي” أمريكي، دخول الأراضي الموريتانية من بوابة “أم التونسي” ضجة وحملات تشويه واسعة ضد الوطن، شارك فيها مع الأسف مواطنون موريتانيون، دون أن يضعوا في الاعتبار حرمة البلد واحترام قوانينه.
لقد رفضت شرطة المطار منح تأشيرة دخول لمواطنين أمريكيين لأنهم وصلوا عبر بوابة تشترط سلفا، إما الإعفاء من التأشيرة وفق معاهدات واتفاقيات بينية، أو منحها من خلال سفارات وقنصليات موريتانيا المنتشرة عبر بقاع الأرض، وهو ما لم يتوفر في حالة “الحقوقيين” الأمريكيين، كما أن سفارة بلدهم لم تشعر الجانب الموريتاني بمقدهم، ولم يتم الاتفاق على برنامج مشترك يمكن الوفد من الاطلاع على جانبي الصورة، ولذا كان بديهيا أن يغادروا غير مرحب بهم، فموريتانيا لم تعد ذلك المنكب البرزخي، الذي تجول فيه المنظمات الإرهابية، وجواسيس السفارات الأجنبية وقتما وأينما شاؤوا، لقد وضعت ضوابط وشروط لدخول أراضيها يجب على الجميع امتثالها، بل واحترامها.
ربما نسي الذين يتشدقون من حقوقيين ودبلوماسيين بالقول إن نواكشوط بهذا التصرف أساءت إلى البلد وسمعته، حقنا الطبيعي في تطبيق قوانين الدمهورية الاسلامية الموريتانية على أراضها.. فعن أية سمعة يتحدثون، هل السمعة هي الارتهان للخارج، وفتح مطاراتنا ومعابرنا لكل من هب ودب ليصول وينفذ برامج وأجندات مرسومة سلفا لتمزيق كيان هذا المجتمع الذي يوحده الدين والأواصر والوطن.
متى كانت الولايات المتحدة الأمريكية نموذجا يعطي الدروس حول الحقوق المدنية، فمنذ العام 1963 وﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻨﺼﺐ ﺍﻟﺘﺬﻛﺎﺭﻱ ﻟﻠﺮﺋﻴﺲ ﺍﻷﺳﺒﻖ ﺃﺑﺮﻫﺎﻡ ﻟﻴﻨﻜﻮﻟﻦ .. ﺃﻟﻘﻰ ﺍﻟﺰﻋﻴﻢ ﻣﺎﺭﺗﻦ ﻟﻮﺛﺮ ﻛﻴﻨﺞ ﺧﻄﺒﺘﻪ ﺍﻷﺷﻬﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ، ﻭﺗﺤﺪﻳﺪًﺍ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﻣﺴﻴﺮﺓ ﻭﺍﺷﻨﻄﻦ ﻟﻠﺤﺮﻳﺔ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻧﺎﺩﻯ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺈﻧﻬﺎﺀ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻱ ﺿﺪ ﺍﻟﺴﻮﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﺑﺠﻤﻠﺘﻪ ﺍﻟﺸﻬﻴﺮﺓ : “ ﻟﺪﻱّ ﺣﻠﻢٌ ﺑﺄﻧﻪ ﻓﻲ ﻳﻮﻡٍ ﻣﻦ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻭﻋﻠﻰ ﺗﻼﻝ (ﺟﻮﺭﺟﻴﺎ) ﺍﻟﺤﻤﺮﺍﺀ، ﺳﻮﻑ ﻳﺠﻠﺲ ﺃﺑﻨﺎﺀُ ﺍﻟﻌﺒﻴﺪ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﻴﻦ، ﻭﺃﺑﻨﺎﺀ ﻣُﻠَّﺎﻙ ﺍﻟﻌﺒﻴﺪ ﻣﻌًﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺪﺓِ ﺍﻷﺧﻮّﺓ ”.
لكن حلم “مارتن لوثر” لم يتحقق رغم مضي 54 سنة، واستمرار ناشطو حركة الحقوق المدنية، والمتعاطفين معها، في المطالبة بالاعتراف بكرامة السود واستيفاء وعود “إعلان الاستقلال”،
التي اعتبرت التمييزَ على أساس العرق أو اللون أو الدين أو الجنس، أو الأصل القومي، أمر مخالف للقانون، إلا أن هذا الإلغاء الرسمي والقانوني للتمييز العنصري لم يكن حافزًا كافيًا للمتعصبين ضد السود، فقد تصاعدت الحوادث العنصرية ضدهم؛ سواء كان بطلها الشرطة الأمريكية أو المواطنين البيض، لتؤكد أن العنصرية ضد الأمريكيين السود لا تزال مستمرة؛ حيث يقتل العشرات بل مئات المواطنين السود على يد الشرطة الأمريكية واليمين الأبيض المتطرف الذي أوصل الرئيس الأمريكي “دونالد اترامب” إلى السلطة بتحالف عنصري مالي قذر.
رغم كل ذلك يتغافل السفير الأمريكي في نواكشوط “لاري أدريه” عن الواقع الأمريكي، ويقدم لنا في مشاهد كوميدية مع زعامات كرتونية دروسا في حقوق الإنسان لمجرد ممارستنا لحقنا الطبيعي في طرد أمريكيين اعتقدوا أن نواكشوط “وكالة من دون بواب” كما يقول “المصريون، وأحايين أخرى يعلن على استحياء حرصه على وحدة الشعب الموريتاني، الذي لا ينشد تضامنه ولا تمنياته، لأنه سيكون بخير إن أمسك هو حضوره الكرنيفالي وتدخله في الشؤون الداخلية للموريتانيين الذين تتسع قلوبهم وأزياءهم للجميع، لكنهم لن يغفروا لمن يحيك ضده المؤامرات والدسائس ويعمل على تمزيق وحدة أراضيه وتماسك شعبه.
ولعلي أذكر هنا “لاري أدريه” بمقتل الشاب صاحب الأصول الأفريقية “والتر سكوت” في الرابع من إبريل الماضي في ولاية كارولينا الجنوبية، إثر إطلاق النار عليه من قبل شرطي أبيض متعصب يُدعى مايكل سلاجر، مقتل سكوت أعاد إلى الواجهة الجدل حول العلاقات بين البيض والسود في الولايات المتحدة؛ ذلك مجرد مثال لمئات الحالات العنصرية، التي تستوجب من نواكشوط إرسال وفد حقوقي للاطلاع على أحوال نزلاء السجون الذين يقبعون في زنازينهم لأسباب وتهم لا تستقيم، لا يتم توقيف البيض على خلفيتها.
ولعل الفرصة سانحة لأذكرك أيضا بما قاله “أندريو هاكر” – بروفيسور بجامعة نيويورك- في كتابه “أمتان: سوداء وبيضاء منفصلتان متنافرتان غير متساويتين : “منذ فترة الاسترقاق وحتى اليوم.. هذه الأمة ـ يعني الأمريكان ـ لم تفتح أبوابها بقدر كاف للسود بأن يكونوا مواطنين كاملين.
“إن البياض اللوني هو حالة مثل المكروب النفسي؛ إنه يجعل البيض يتعاملون مع السود من منطلق الأعلى إلى الأسفل”.
هذا المكروب الذي يتحدث عنه “أندريو هاكر”، هو الذي يسعى “لاري أدريه” والطابور الخامس من أبناء هذا البلد لغرسه في النفوس، لكن هيهات، لن تجدوا موطئ قدما إلا في أحلامكم المريضة، نحن شعب متماسك، ديننا واحد، اختلطت أعراقنا لتصنع الانسانية الحقة، “لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى”، وليست تلك التي يفرضها حقوقيو “بريتون وودز”.