ستقر من مأثور الحكم عند الموريتانيين أن السيادة تحتاج إلى ثلاث خصال يشد بعضها أزر بعض وهي:
- الحلم
- والكرم
- والمشورة.
ومن أراد "السيادة وعجز عن أحدى تلك الصفات فلن يكون سيدا أبدا، فهي ثلاث في معنى واحد.
غير أن صفات السيادة تلك، مضت كأيام جيرة نجد "فأضحى كل ما وهبت هباء"، وأصبحنا اليوم في ظلال سادة آخرين، استبدلوا بالحلم الطيش السياسي والإقدام على المغامرات التائهة، فكلما خرجوا من حضيض فشل في مغامرة، أشرعوا الأسنة إلى أخرى وهكذا دواليك.
أما الكرم، فقد ذبل غصنه وصوح نبت ربعه، فلا هو هو ولا الأيام أيامه، ومن ير ما فيه الشعب اليوم من إهانة وعذاب ومن ظروف معيشية بالغة القساوة، ومن ير "الهدايا الحاتمية" التي قدمتها الدولة لضحايا إعصار البراكنة والعصابة، يتأكد أننا نعيش في ظلال "حاتم" آخر ضن به الزمان على العالم ثم حبانا به، وكذا الدهر يسوء أحيانا ويسر.
بل إن الكرم في هذا العهد استبدل بنهب المال العام، ندل الثعالب.
وأما المشورة وأن يكون للناس رأي، فكيف لمن أتى بانقلاب خرج به إلى الدنيا، أن يكون له حظ من الرأي والمشورة وترسيخ الديمقراطية، فتلك صفحة طواها الانقلاب وأقام مقامها التلاعب بالمسميات والمصطلحات وإقامة جسر متخرق، مؤسس على قوائم من جوع المساكين وخرق القيم وضرب الدستور، ونهب المال العام، وتحويله إلى دولة بين أفراد قلة من مقربي الرئيس وأقاربه.
إنما ما تعيشه موريتانيا هو صورة بالغة السوء من انهيار القيم، ودمار المؤسسات وتباين المسار بين السلطة والدولة، أما الدولة فتنهار مؤسسات وقيما إلى الحضيض وأما السلطة فتزيد تغولا وشراهة تجاه المال العام، وتجاه المحترمات جميعا، فلقد مضى زمن استخدام الشعارات الإسلامية والنصرة وبان للناس أنها كانت ورقة ثم تآكلت أطرافها وانتهت قصتها، بعد أن نقعت في نفس المحلول الذي نقعت فيه ورقة الحرب على الفساد، ثم اتضح بقوة أن الفساد وزنا ومعنى هو هذا النظام.
ولا تزال أوراق النظام تتهاوى واحدة بعد أخرى، ولا يزال متملقوه يخصفون عليه من ورق التأليه والتطبيل، ثم ينهار كل ذلك أمام شمس الحقائق الفاضحة التي كان من آخرها الرفض القاطع من المواطنين لمهزلة تعديل الدستور والمقاطعة الدولية الواضحة للرقابة عليها، وبدل أن يثني النظام الرقبة للحق استخرج من جعبة التزوير آخر إبداعاته، فصوت الأموات لصالح دستور رميم متخرق.
وما الحملة الظالمة اليوم على مجموعة من خيرة أبناء موريتانيا وأولى الفضل فيها، من أعضاء مجلس الشيوخ إلا جزء من حرب النظام على كل ما ومن يمثل قيم الاحترام والمسؤولية والنضج، وكل ما له علاقة بالفضل والكرم والحلم والمشورة في هذا البلد.
ثمة حرب قيم مفتوحة، دون شك، قيم الفساد والطيش والتملق التي يمثلها النظام الحالي بجدارة، وقيم النضال والسعي لبناء موريتانيا الموحدة وترسيخ التشاور والديمقراطية وحماية المؤسسات الجمهورية، وهي القيم التي سعى الشيوخ برفضهم للتعديلات الدستورية إلى حمايتها والنضال من أجل بقائها.
إن السادة الزملاء الكرام أعضاء مجلس الشيوخ الذي يعاملهم النظام اليوم بالإساءة والإهانة ومحاولة تشويه السمعة من أكثر السياسيين في موريتانيا كفاءة وحسن سيرة وفضلا.
ويعلم الجميع - بما فيهم الرئيس نفسه - أن جرهم اليوم إلى ساحة القضاء ليس له من دافع سوى العقاب على مواقفهم الدستورية ورفضهم للإسهام في حفلة شواء القيم الجمهورية التي يشرف عليها النظام ويجعل من بعض أنصاره ومتملقيه حطبا لها ولهبا.
إنما يعيشه البلد اليوم، من أزمة سياسية وضائقة اقتصادية وتخرق لحبل الود الاجتماعي بين طوائفه داع للقلق عليه أكثر من أي وقت مضى، غير أن الصمود واتساع دائرة الرفض للديكتاتورية مؤشرات أخرى تدفع للاستبشار تحت ظلال موعود الله تعالى {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}.
القطب محمد مولود – شيخ مقاطعة بتلميت