ينعقد هذه الأيام في العاصمة الإماراتية أبو ظبي المؤتمر الثالث لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة برئاسة العلامة المجدد الشيخ عبد الله بن بيه الذي أنشأ فكرة المنتدى منذ حوالي ثلاث سنوات من خلال وعيه بما تعيشه المجتمعات المسلمة في المرحلة الراهنة من حالة اصطفاف إديلوجي و احتراب طائفي و مذهبي و من اقتتال أهلي و تنازع دفع الأمة إلى الافتراق و الشقاق غدا فيه كل طرف يبحث عن من يستقوي به على خصمه في دوامة صراع و تنازع للبقاء مآله الحتمي إلى الفناء.
في ظل هذا الوضع المميت للشعوب , المخرب للبلدان استشعر العلامة عبد الله بن بيه الحاجة الماسة إلى خلق فضاء رحب للتفكير بحكمة و تعقل يسع الجميع و يشكل ملاذ رحمة يحتضن الكل , يضم أصوات أولي بقية من المؤمنين بالسلم لكونه الضامن الحقيقي لسائر الحقوق إذ أن أجواء الحروب و المنازعات تزيد المظالم و تضيع مزيدا من الحقوق , بينما يوفر السلم فرصا أكثر و مجالا أوسع لتحقيق العدالة و نيل الحقوق , فالحقوق لا يمكن أن تنال في غياب تحقيق حالة من الوفاق المجتمعي تضمن الكليات الخمس التي أجمعت عليها الشرائع و الأمم ( الدين , النفس , العقل , العرض , المال )
يشارك في هذه النسخة من المؤتمر المنعقدة يومي 18 و 19 من شهر دجمبر مئات العلماء و المفكرين و الفعاليات الشبابية من مختلف البلدان الإسلامية حول العالم من أجل مواصلة الجهود التي بدأها المنتدى منذ مؤتمره الأول (2014) و تواصلت على امتداد الفترات اللاحقة و ذلك من خلال تدخله المباشر في حل الكثير من النزاعات و كذا عقد مؤتمرات تهدف إلى إشاعة لغة الحوار كوسيلة لتسوية المشاكل بدل اللجوء إلى العنف في مفاصلات عبثية لا تحترم قيم الإسلام و لا كرامة الإنسان ..
إن الناظر بعين الشفقة و الرحمة لواقع الأمة اليوم يجدها فعلا بحاجة لمن يحنو عليها في حقول الشريعة و يدعو حكامها إلى القسط و العدل بين الناس و تأدية حقوقهم و الخوف من الله تعالى في رعيتهم , و يبصر شبابها بطريق لا حمل فيها للسلاح و لا انخراط في اقتتال لا يحقق عدلا و لا يجلب حرية , نعم الأمة بحاجة لشيء من العافية التي تنبت في القلب لتتتفرع إلى سائر الجوارح بعد أن سفكت دماء شعوبها بأيدي أبنائها من كل الأطراف التي احتكمت للحديد و النار , هذا ما أحسه العلامة عبد الله بن بيه الذي ما فتئ يدعو الجميع لوقف ما سماه بالحرب المجنونة التي لا منتصر فيها و التي لا طائل من ورائها سوى أن يخسر الجميع و يغرق في عبثية تهلك الحرث و النسل و تشيع لغة القتل و التدمير و تضر بالإسلام و تظهره على أنه دين شحناء و بغضاء , حاشاه من ذلك كله ..
المؤتمر الثالث للمنتدى يحمل شعار ” مفهوم الدولة الوطنية ” و يأتي في ظرفية يزداد فيها التأكيد و التحضيض على أنه لا خير في الحروب العبثية , و أن المسلمين بحاجة فعلا أن يجدوا في دينهم ما يحييهم و يبعث في أنفسهم أملا باستعادة أمنهم و أمانهم و رجوعهم لبلدانهم معززين مكرمين , فما نراه اليوم من آثار وحشية و مآلات كارثية للنزاعات المتفرقة في بلاد المسلمين يؤكد بجلاء أنه لا أمل في العيش الكريم في ظل الحرب و لا الكرامة في ظل الفتن و الحرائق .
العلماء و المفكرون و الإعلاميين و الشباب على موعد هذ الأيام مع سلسلة من الفعاليات التي يناقشون من خلالها سبل خروج الأمة من حالة الاحتراب التي هي فيه و كيفية السعي لتحقيق ذلك في مجتمعاتهم و بلدانهم و الجهود المطلوبة من كل واحد منهم و المسؤوليات الملقاة على عواتقهم في توعية المجتمع و تبصرته بضروة تعزيز السلم كأصل من آكد الأصول التي تكفل كرامة الإنسان , و من الجدير ذكره أن المنتدى ابتكر في نسخته الماضية جائزة ” الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه لتعزيز السلم ” التي منحها للمفكر الهندي مولانا وحيد الدين خان لجهوده في تأصيل و تعزيز ثقافة السلم و من المتوقع أن يعلن المنتدى هذه السنة عن مزيد من البرامج المعززة لثقافة السلم و التعايش الإنساني.