مع مرور الوقت يبدو الكيان الأمريكي في بعده السياسي بوجه خاص، رافضا التعايش السلمي مع المسلمين والعرب المسلمين بوجه خاص، حيث عبر هذا الأحمق المسمى اترامب، المتلهف للتمهيد لدورة رئاسية ثانية، عن أقصى درجات الإقصاء والإلغاء للمسلمين برمتهم، من دائرة الاهتمام والتأثير.
فجاء قراره بنقل سفارته إلى القدس، صاعقا مثيرا، عربيا وإسلاميا وعالميا، على السواء.
ويبدو أن جهات خليجية رسمية معينة، دخلت في نفق التطبيع المظلم وبيع القضية والاستخفاف بكل ما له صلة بفلسطين، وكأن الأمر بلا انعكاسات سلبية سريعة عميقة على هؤلاء المتاجرين الأنانيين.
ورغم شناعة وسفاهة الموقف الأمريكي تجاه القدس وفلسطين والمسلمين عامة، إلا أن اترامب بخطوته هذه، نفض الغبار عن قضية المسلمين الأولى، القضية الفلسطينية، وزود قاطرتها بالوقود، وأعادها بقوة لدائرة الاهتمام الواسع، وإلى الأبد ربما.
فاليوم هذا القرار اترامبي الأمريكي الأحمق، قسم العالم إلى فسطاطين، مع أو ضد، دون لبس أو غموض.
كما كشف هذا القرار عن ضعف ارتباط الأنظمة العربية بقضية العدل والحق التاريخي المشهود، قضية الأقصى الأسير وفلسطين المحتلة عموما.
وأبان أن هذا الملف، هو ملف الشعوب العربية والمسلمة بالدرجة الأولى، قبل الأنظمة المهيمنة على دفة الحكم، في عموم العالم العربي والإسلامي، وأن هذه الشعوب الأصيلة الحية لن تتخلى أبدا عن فلسطين، أرضا وشعبا.
وعاقبة الأمر بإذن الله، مهما طال الزمن أو قصر، بالنسبة لهذا الشأن، هو التحرير الجذري الكامل لأرض فلسطين، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا السياق المنتظر: "حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي تعالى فاقتله، إلا شجر الغرقد فإنه من شجر اليهود".
وعلى الصعيد المحلي بادرت الجهات الرسمية بالتنديد بهذا القرار، وسمحت بأنشطة متعددة للتعبير عن استنكار هذا القرار اترامبي الأحمق الاستفزازي، ورغم الحشود والاحتياطات الأمنية يوم أمس الجمعة، فقد نزلت الجماهير في نواكشوط بوجه خاص، ملتحمة مع شعوب العالم، ضمن احتجاجات واسعة أثلجت الصدر، وأكدت أن الفرج قادم يلوح في الأفق القريب بإذن الله.
وصعد شهداء في فلسطين أمس، كالمعتاد، نحتسبهم عند الله، الكريم الفتاح الهادي.
ولعل الأنظمة عندنا في العالم العربي، بحاجة للتذكير بأن عمر بعضها بات قصيرا، بسبب طبيعة صلتها بقضايا الأمة واهتماماتها المركزية، مثل مناهضة الاستبداد وسوء تسيير المال العمومي وقضية فلسطين بوجه خاص.
فكل من باع أو خان هذه التوجهات الرئيسية، إلى جانب طبعا صيانة الهوية الحضارية للأمة، الإسلام.
كل من استخف بهذه المرتكزات، سيكون مصيره حتما الانهيار والتلاشي، مهما ظن نفسه باقيا مخلدا، فلو دامت لغيرك ما وصلت إليك.
إن كل الجهات المؤثرة شعبيا ورسميا، مدعوة لإعادة تذكير الرأي العام العربي والإسلامي باستمرار، بقضيته الأولى، فلسطين، واستغلال كل المنابر الدينية والتعليمية والإعلامية والسياسية، لخدمة ودفع مستوى الاهتمام والاستيعاب لهذه النكبة التاريخية، التي بموجبها، هجر شعب عربي أصيل وقتل ومزق واحتلت أرضه المقدسة، وبوجه خاص، المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، عسى أن تخرج سريعا فلسطين من أسرها الظالم واحتلالها البغيض المزمن المؤذي، وما ذلك على الله بعزيز.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
بقلم/ عبد الفتاح اعبيدن