حسم الإسلاميون موقفهم من الرق في موريتانيا منذ فترة فلم يعد من أدبياتهم ولا من سلوكهم حتى التلفظ بالألفاظ الشعبية السائدة في المجتمع وقد ناضلوا من أجل ترسيخ هذا الموقف في أوساط المجتمع ودفعوا به على المستوى الرسمي لاتخاذ ما يلزم للقضاء على مخلفات الرق وآثاره
وقد برز اهتمام الإسلاميين في القضاء على الرق ومخلاته في ميادين مختلفة كالبرامج الدعوية والتعليمية والتنموية والإعلامية.. ولم يكن ذلك موقفا سياسيا
ولا حقوقيا فحسب بل كان موقفا نابعا من القناعة الشرعية أن ما كان في موريتانيا من الرق مخالف للشرع أصلا وممارسة فالمزايدة على الإسلاميين غير واردة في هذا المجال
ومن الخطإ الذي لا يقبله أصحاب الرأي الفقهي هو ربط الرق في موريتانيا بأصل الرق في الشرع
ومحاولة نفي مشروعية الاسترقاق في الشرع وتسويق أن الشرع جاء يحارب الرق ويجفف منابعه ويقضي عليه وأنه أغلق كافة منافذه
فهؤلاء الذين يستخدمون هذه المصطلحات التي هي أقرب للغة الإعلام منها للغة الشرع
لإقناع الناس بأن الرق في موريتانيا غير شرعي أساءوا على الموضوع عند أهل الاختصاص وغالطوا العامة الذين يفهمون من هذا الطرح وهذه المصطلحات أن الرق غير موجود أصلا وليس لأحكامه أصل من كتاب ولا سنة ولا عمل إلا في "مخيلة الفقهاء" "الإستعباديين" "والكتب الصفراء " وكأن هؤلاء لم يقرءوا من السنة إلا حديثا واحدا (متى استعبدتموا الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ) وإلا قوله تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم ..) وكأن نصوص الوحي في هذا المعنى انتهت هنا ولو سمح لي الوقت إن شاء الله لسردت كثيرا من الأحكام المتعلقة بالرقيق مع أحكامها القطعية من الكتاب والسنة
صحيح أن الشريعة لم توجب الاسترقاق ولم تندب إليه ولكنها أباحته بشروطه وأخلاقه وقننت أحكامه وأخلاقه بنصوص قطعية لا مطعن فيها ولا يمكن إنكارها ولا تأويلها وليست محل اجتهاد في أغلبها
وقد مارس السلف الصالح تلك الأحكام في زمن النبي صلى الله عليه وبعده فلا نسخ (وما كان ربك نسيا)
صحيح كذلك أن الشارع متشوف للحرية ويرغب فيها وفتح لها كثيرا من الأبواب لكنه لا ينزع من مالك مملوكه ولو توارثه الأجيال بعد الأجيال حتى إن الشرع أبقى الأملاك التي كانت في الجاهلية لأصحابها بعد إسلامهم .
كثير من العامة يفهم من هذه المصطلحات التي جاءت في سياق محاولة علاج الظاهرة من منظور شرعي _أو هكذا نرى أن أصحابها أرادوا _ أن الاسترقاق مناف للعدل ومناف لأصل تكريم الإنسان وأن الإنسانية تقتضي مساواة الناس وهو ما يقتضي أن كثيرا من أحكام الشريعة المتعلقة بالرق مجرمة إنسانيا كالتسري للمملوكة وبيع الرقيق جريمة يعاقب عليها وأحكام كثيرة منصوصة في القران والسنة ومورست في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ووقع عليها الإجماع من الأمة حتى صارت من المعلوم من الدين بالضرورة عند أهل الاختصاص على الأقل
صحيح أن التوازن في علاج واقع مرير أصاب شريحة واسعة من المجتمع الموريتاني المسلم شريك الوطن والدين صعب
لكن لا يمكن أن نعالج الأخطاء بالأخطاء (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ) ومن العدل الرد إلى أهل الاختصاص (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) وليس من العدل اتهام الشرع وحاملي لوائه من غير أهل الاختصاص
والخلاصة أن على أهل السياسة والمفكرين والحقوقيين أن يعالجوا الظاهرة في موريتانيا فقط من منظور سياسي وحقوقي وفكري ويتركوا الحديث عن الرق في الإسلام وأحكامه ومقاصده لأهل الاختصاص (علماء الشريعة)
بقلم/ محمد يسلم محمد محفوظ