حوار مع المطار القديم

خميس, 01/25/2018 - 14:43
حوار مع المطار القديم

قدر لي أن أسافر في آخر رحلة من المطار القديم قبل إغلاقه وقد سجلت معه خواطر اللحظة على جهازي أثناء الرحلة وعند ما عرضت الخواطر والأحاسيس على أحد الزملاء نصح بعدم نشرها متعللا بأن من عُرف بالجد لا يجوز أن يكشف للناس عن صفحة من نفسه مختلفة مربكة لما ألفوا فسمعت نصح صاحبي ونسيت الخواطر في الجهاز إلى أن وصلت فجر يوم ماض المطار الجديد فهرعت الى دورة المياه كي أتجهز للصلاة فكانت المعاناة التي ذكرتني بصدق ما أجاب

 به المطار القديم فهاكم توقعاته:

السيد المطار القديم ما هو شعورك وقد غادرك المسافرون وهجرتك الطائرات

ج/ شكرًا لكم جزيلا على الالتفاتة إلي وكسر الصمت المريب تجاهي

كما تعلم المجتمع الموريتاني تصرفاته تطبعها البداوة ومخيلته تعشش فها قيم الترحال وما يصحبها من قابلية لمحو للذاكرة فكما نسوا الرئيس المختار وقد كانوا يلقبونه بأبي الأمة ومؤسس البلاد وتنكروا لولد هيدالة بعد وكفروا بمعاوية ومشوا في جنازة نظامه من أول يوم وهم من ورطوه ..ونظامه دنسوه

فلذلك لم أتوقع منهم أن يحتفظوا لي بذكرى ود، فما إن يطيروا من هنا حتى يتنكروا لي بعد قرابة عقود ستة من خدمتهم وخدمة وطنهم

كانت أرضيتي المتواضعة مهبطا تنزل عليها طائرات وفود المؤسسين لعاصمة كانت ترعى فيها الأغنام وتجوس فيها الذئاب وعلى مدرجي المتواضع نزل رئيس فرنسا وقد احتفى به الناس هنا، وكان ذلك إعلانا للاستقلال .. صدح النشيد الوطني لأول مرة مع الفرنسي إيذانا بدولة مستقلة ومشى المختار جنبا إلى جنب مع ديكول كما كنت البوابة التي دلف منها كبار قادة العالم إليكم مثل الملك فيصل والشيخ زايد رحمهم الله رحمة واسعة ومني انطلقت باقة الأُطر الذين أداروا الدولة فمني تفتحت عيونهم على العالم فنهلوا من ثقافته واستفادوا من خبراته وسريعا كان الطيران عبري يضم أشتات الوطن فقد استقبلت بسم الدولة الموريتانية الرحلات من النعمة وسيلبابي وازويرات ونواذيبو ومع ذلك كما رأيت يوم رحلتك الأخيرة مني اعتبروني جنازة ولم يحفروا لي قبرا على الأقل ولم يودعوني فلم أجد من الوفاء غير عامل واحد ذرف علي الدموع فربتوا كتفه وكفكفوا دمعه بمال حتى لا تكثر البواكي

س/ وما هو شعوركم وأنتم تفرغون من المحتويات التي كُنتُم تشتغلون بها بتلك الطريقة الفوضوية

ج/ كان شعوري أن القوم يمارسون عادتهم الشرسة مع النحائر فقد اعتبروني جملا كبيرا تم نحره فابتدروني بسكاكينهم كنت أحس بألم بالغ لكل مكتب يفكك بداخلي أو جهاز ينتزع من موطن تركيبه في وكانوا بذلك يقضون علي بالتقسيط كنت أحس بأنهم ينتزعون أحشائي بألم بالغ ومن خلال ذلك الفعل المتوحش أدركت عدم جديتهم في ما يدعون من تغير الحال وتبدل الطبيعة الفوضوية فأثاثي لا يصلح لغيري خصوصا أنهم يدعون حداثة سن المطار الجديد وجماله هل رأيت قوما ينتزعون خلخال بنت الستين وأسوارها الفضية كي يزينوا بهما عروسا من أهل هذا الزمان...

لكن تأكد أنني سوف أنتقم منهم بغباء تصرفاتهم فالأثاث الذي حملوا مني مشبع ببنات وردان كما يسميها الفقهاء (الصراصير) وأنواع من الجرذان وصنوف الحشرات المحولة بها قطع الأثاث وتلك المخبئات سوف تدير معهم معركة سيكون لأصحابها الغلبة خلال أقل من سنتين إن شاء الله، وفي ذلك التوقيت تأمل وضعية الحمامات وما ستكون عليه روائحها وسيلان مياهها وندرة عمال النظافة فيها وستدرك يومها حكمة الشيوخ التي دفعتني لعدم فتح دورات مياه خوفا من مترتبات الإهمال المنتظر من القوم، زِد على ذلك منظر الموظفين الذي سيعود إلى ما كان عليه في ما سلف والمسجد الضخم الذي انتصب شامة جمال في ناصية المطار الجديد تأمله في تلك الفترة ستدرك أن التحضر ليس كامنا في بناء الحجر والطين وإنما في تدبير الحياة وديمومة الحفاظ على الأناقة والجمال

لقد خرجوا مني لا يلوون على شيء وكأنهم يرحلون من بادية سكنوها لأسابيع لم يودعوني ولم يستذكروا خدماتي الجليلة لهم ولكني كأم يعقها الأبناء فلا تفتأ تحبهم وتدعو لهم بالهداية وتتمنى لقاءهم وتسأل على لسان المتنبي

ما ذَا الوداع وداع الوامق الكمد

هذا الفراق فراق الروح للجسد

س/ لكن البعض يرى فيكم مظهرا من مظاهر التخلف وعتاقة لا تحوز جمالا أو تشي بتحضر

هذا الكلام مردود من عدة وجوه كما يقول الشيخ العلامة الددو في محاضراته..

أولا أنا لست من صممت نفسي بل أنتم من خططني فلا تعاتبوني على ضيق أفقكم التخطيطي وبلادة استيعابكم لمتغيرات العصر فصالتاي الأخيرتان بنيتا في التسعينيات ويومها كُنتُم تسافرون وتشاهدون مطارات العالم المتقدم كُنتُم تشهدون روعة الهندسة وأبهتها في شارل ديغول وجمال التدبير في مطار محمد الخامس والدقة مع البساطة في مطار قرطاج وشموخ الشهداء في مطار هواري بومدين وكانت تصلكم الرسائل التي تمر من افرانك فورت الهائل

وكان عليكم أن ترفعوا سقف طموحكم المتواضع جدا إلى مستوى الدول ومطاراتها أنا لست من يتحمل المسؤولية في قبح الصنعة وضيق الإنجاز

الأمر الآخر هو أن الجمال كما يقول الأديب الطنطاوي شيء في عينيك تخلعه على من تحب فالشيخ الستيني ذو اللحية المستديرة والوجه الصبيح جميل إذا ما قورن بأضرابه وأنا كنت أحوز من التاريخ والآثار ما يمكن توظيفه في تراكم حضاري لكم كمجتمع بدوي يمسح ذاكرته باستمرار.

س/ وما ردّك على القول انه لم يفرط فيكم إذ حولتم إلى قطع أرضية يسكنها المواطنون وشوارع عليها يمشون

ما يحز في نفسي أنكم بذلك تحققون قولة الفكر المسيري إن الحضارة الحديثة شيئية وذلك لأنها تحول كل غال إلى شيء مادي ولا تعتبر الأبعاد المعنوية للأشياء

إن النظام الجديد عندكم يهمه فقط كم قيمة الصفقة لو بعنا المكان ولكنه لا يفكر بما ترمز له الأشياء المدرسة التي درس فيها بعض الوزراء الحاليين والسابقين فتحمل ذكرى إبداعهم وتميزهم، أشياؤهم الصغرى ..طفولتهم

وأيام كان المدرس يعيش من راتبه محترما من طلابه وأيام يغني كل نفس عفافها تلك المدرسة عند ما تمر عليها الآن وقد حولت إلى دكاكين بائرة تحس بجريمة الذاكرة الصلدة

يؤسفني أنكم في ظل قصر واحد لحاكم واحد حولتم مسكّن الوزير الأول الذي بني على ما يشبه القصر وضُيعت فيه الأموال حولتموه لعيادة أطفال بحجة خدمة عمومية ترونها أهم ولم تفعلوا الشيء ذاته معي فقد كان بإمكانكم ان تعلنوا بقائي في الخدمة العمومية فيشمخ في مسجد كبير كمّا وعدتم

فيكون ناصع الصحن حسن الأذان خاشع القراءة ندي الصوت

وتحولون بعضي إلى مدينة طبية وسط العاصمة موزعة إلى عيادات خارجية وأخرى داخلية تستغل صالاتي بترميم بسيط وتكييف متواضع تقدمون من خلالها الخدمة الصحية.

كذلك كان عليكم أن تستغلوا موقعي كسرة للعاصمة فتبنون مدينة حدائق ذات بهجة ومركز ألعاب للأطفال وسلسلة مطاعم شعبية فاخرة تحظر فيها اللحوم الحمراء وتجلب لها الأسماك الطازجة من المحيط الرائع بأيدي مهرة من طباخي الدول المجاورة ليتعود شعبنا على الغذاء الصحي ونكسر رتابة ألفنا الغذائي فأتحول أنا إلى منطقة جذب تَخلق فرص العمل وتحدث في المجتمع اليائس حيوية فيهدأ روعي واطمئن إلى أنني أقدم خدمة عمومية وأنكم تركتموني على قيد الحياة

أما فكرة توزيعي إلى قطع صغيرة أو كبيرة فهي جريمة في حقي وتقزيم لدوري إذ سوف تضحي علبا إسمنتية مكفهرة شاحبة سوف تقاومها أملاحي لتهدم منها الأساس فتندمون على فعلتكم تلك

س/ يرى البعض أنكم تأخذون بعض طباع المجتمع في الشعور بالغيرة من أخيكم الصغير الفتي الذي فرح الجميع به

ج/ عموما انأ ما كنت لاعترض لو كانت مساحتي ضاقت بالقادم من أي جهة

وأضحت حركة الطيران اكبر مني فلكم ساعتها أن تبنوا الجديد الفسيح ولكن الم تنظر إلى نفس العمالة التي كانت عندي ونفس عدد الطائرات التي كانت تنزل في نقلتموها إلى هناك وهاهم العمال في المطار الحديث ينتظرون طائرة تأتي في صباح اليوم المولي رغم كل الضجيج الذي صاحب افتتاح كأنكم حزتم حركيّة مطار اسطنبول الذي تنزل فيه الطائرة وتقتلع صاحبتها في دقيقة واحدة لم تزد حركة المسافرين في المبنى الصغير كل الذي زاد أنكم تبيعون المساحة في الجديد أغلى مما كانت في انا ويصرف العمال مالا قبل لهم به من أموال للوصول إلى خارج المدينة فيموتون جوعا وقد كانوا في يخرج الواحد منهم راْسه إلى طرف لقصر فيجد من الطعام الرخيص بغيته ويعود إلي ماشيا كما أن نقل المواطنين لم يتم فيه تفكير كما قد عرفت المطار الوحيد في العالم الذي لا يحوز نقلا عموميا ولا تاكسي خاصة

س/ سؤال وماذا كنت تنتظر من تغير الأحوال وسعة المال في المطار الجديد

ج/كنت أدرك أنكم لن تفلحوا كما ينبغي في إدارة المرفق الجديد رغم جودته فهو كما لو أعطيت فقيرا طائرة وأمرته بالتنقل فيها ودفع إيجار مواقفها وصيانتها والصرف على الوقود فيها

سؤال وماهي في رأيك أنجع الطرق لتفعيل الجديد وقد أصبح أمرا واقعا

الجواب نعم نحن بلد الأمر الواقع دائماً يقومون بانقلاب عسكري ويتحدثون عن أنه أصبح أمرا واقعا وذلك الواقع لا يعنون به الإقلاع نحو الصالح العام بل يعني دائما الرضوخ لإرادة المتغلب على رأي فتوى التخلف وليس الإسلام العظيم الذي حطم الطغاة وجعل الكفر بهم من أسس العقائد بل منطق الفوضى والتحكم في الخيرات واللعب بإرادة الأمة التي ينص دستورها في مادته الثانية على أنها حرة الإرادة بدون وصاية

ومع ذلك دعني أزودك بأفكار خلاقة مع الاحتفاظ بحقي القانوني بها كنصيب في أي مشروع مستقبلي يتناول هذه المجالات التي سوف اذكر وذلك ما نصت عليه مدونة التجارة في التعديل الذي دافع عنه وزير العدل أمام البرلمان في آخر تعديل يجعل صاحب الفكرة شريكا بها في رأس المال والقانون يحمي حقه

كنت أتوقع أثناء الصخب الإعلامي أن القوم قد اعدوا العدة واحكموا الخطة لجلب خمسين في المائة من طاقة المطار الجديد من الركاب في العام الأول وذلك بان تقوم خلية من مختلف قطاعات الدولة بوضع تصور لنشاط دولي في محال السياحة والثقافة والشؤون الإسلامية والاقتصاد وقضايا التعليم ومميزاته في العصر الحديث وقمة حول ثقب الأزون وارتفاع درجة الحرارة في مفترق من السماء نعيش تحته نحن ساكنة هذه البلاد ودور السيد الرئيس في تخفيفه من خلال عبقريته الفذة ومواهبه اللامحدودة ومؤتمر المكتشفين العرب وثان للأفارقة وآخر لشباب العالم والتجربة الموريتانية في الحفظ الشرعي والانقلابات وعملنا العظيم في الجمع بين البداوة وما نحسبه تحضرا لو قدر لنا أن دعونا الملتقى الدولي لسياحة الصحراء وتسلق الجبال وآخر يضع تجربة الشعب والدولة المذهل في التفريط في الزراعة الطمي والماء العذب والأرض الفسيحة نحمل وزراء الزراعة العرب إليه مرة لنجعل أهل الشام أكثر مرارة وهل مصر أوفر ضيقا ثم نا تي في الثاني بالأفارقة فالأمم المتحدة في مؤتمر عالمي يعلن فيه الأمين العام قلقه من ضياع الفرص على الشعب الموريتاني

ثم نصمم خمس مشروعات مؤتمرات في مجال الصيرفة وفتح البنوك بالأوامر الهاتفية وتجربتنا في فتح العشرات منها بدون دراسة جدوائية المؤتمر الأممي العالمي في مجال المياه نعلن فيه ان النظام في ألفين وستة عشر يحافظ على الحمير يشرب على ظهورها ساكنة العاصمة كما نعقد مؤتمرات نقدم من خلالها تجربتنا في قطع مسافة العمر بالتغرير بالشركاء وكيف أن المراوغة (اتفينتي) أسلوب مهم في السياسة ومجد في الاستغلال

وهكذا في كل مجال دولي أو قاري أو محلي نضع سببا لتدارسه في نواكشوط فتتحرك عجلة التنمية والسياحة والنقل الجوي وتفد إلينا استثمارات البنى التحتية فتبني الفنادق ذات النجوم الخمس ونقوم لها بالافتتاح وليس بالتدشين على خواء كما يحصل في كل عيد من أعياد الاستقلال نشاهد المركب الرئاسي يقوم بتدشين الشيراتون الذي ظل أكواما من الحجارة التي صبت وهم الدعاية المتبدد ونقيم مؤتمر الطب بالدعاية وندعوا له في ثلاث مؤتمرات أفريقية وعربية وأممية ثم ندعو جموعا من العالم الإسلامي لتقديم تحربتنا في مجال العلوم الإسلامية وحفظها وتجربة ففقهاء السلطان في تبرير تغيير الدستور ومبايعة الأمام الأخير وقتل الأول ونتدارس فيها أيهما أقرب إلى روح الإسلام موقف الفقيه الدستوري محمد الأمين ولد داهي المدافع عن ميثاق الأمة الدستوري أم الفقهاء الدينيون الذين يبررون للسلطان أربه ولو كان نقضا للميثاق وكفرا بالعهد.

 

 

بقلم/ محمد غلام الحاج الشيخ