ما من شك في أن موريتانيا اليوم لم تعد تلك البقرة الحلوب التي يسكب لبنها في السهول والأودية دونما حسيب ولا رقيب، كما أنها لم تبق جالسة على هامش الزمن وهي ترقب نظيراتها يحثثن الخطى للحاق بركب الحضارة دونما ملل أو كلل.
فخلال العشرية الأخيرة، والتي كان فيها ربان السفينة رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، تحول البلد إلى ورشة كبيرة لإعادة تأسيس الإعمار من خلال تحديث وعصرنة البنى التحتية المعدومة أحيانا كثيرة، والمتهالكة إن وجدت أصلا.
وما كان لتلك المشاريع التنموية الهامة أن ترى النور بتمويل خالص من ميزانية الدولة في كثير من الحالات، لولا السياسة المتعلقة بمحاربة الفساد، أيا كان مصدره، ولولا الرؤية المتبصرة والحكمة المتأصلة والصرامة المتوفرة في شخص رئيس الجمهورية والطواقم التي تشرف على تنفيذ برنامجه الطموح والواعد.
لقد تحولت مدن البلاد وأريافها إلى ورشات تعمل ليل نهار، فتم شق الطرق الحضرية والوطنية، في حين تمت إزالة أحزمة البؤس والفقر التي كانت تحيط بالمدن وخاصة في العاصمة نواكشوط ومدينة نواذيبو، لتمنح القطع الأرضية لأسر لم تكن تطمع بذلك بسبب إهمال الأنظمة المتعاقبة لحقها في الحصول على مأوى مسجل باسمها، تحفظ فيه كرامتها الانسانية، ويقيها حر الصيف وقر الشتاء بعيدا عن الأخبية وبيوت الصفيح، فشيدت بذلك أحياء كاملة تم تزويدها بكافة مستلزمات الحياة.
وبدل مطار يتيم ومتهالك يقع في وسط العاصمة نواكشوط، تم تشييد مطار جديد بالمقاييس الدولية خارج المدينة، وهو المطار الذي تعهدت كافة الأنظمة المتعاقبة بإنجازه وعجزت عن تجسيده على أرض الواقع، كما تم تشييد ميناء تانيت، بينما تجري الأشغال على قدم وساق في ميناء انجاكو متعدد الوظائف.
وفي مجال الطاقة استثمرت الدولة في بناء المحطات الكهربائية بمختلف أنواعها، التقليدية والشمسية والهوائية، حتى أنها أصبحت تصدر الطاقة لبعض دول الجوار.
وفي مجال توفير المياه، انتقلت مدن نواكشوط ونواذيبو ومدن الحوض الشرقي ومكطع لحجار في لبراكنه... وغيرهم من مدن البلاد، من الوضع الكاريثي والعطش المستمر، إلى وضع يستهلكون فيه ما يردون من ماء صالح للشرب بمجرد لمسة زر.
ففي نواكشوط تمكنت الدولة من إيصال مياه مشروع آفطوط الساحلي إلى كافة أحياء المدينة، وهو المشروع المتعطل منذ عهد الرئيس الأول للبلاد، وفي نواذيبو تم تعزيز مولدات ضخ المياه ببلنوار وتوسيع شبكة الأنابيب، وفي النعمة والمدن التابعة لها تم تمويل وإنجاز مشروع آفطوط الشرقي، وفي مكطع لحجار تم استجلاب المياه من مسافة تزيد على 100 كلم، كما تم حفر عشرات الآبار الارتوازية في أكثر من نقطة عبر البلاد، وبذلك ودع الموريتانيون سنوات العطش إلى غير رجعة.
وفي مجال الصحة، تم بناء وتجهيز المشتشفيات متعددة التخصصات في نواكشوط وعواصم الولايات وفي بعض المقاطعات، كما تم اكتتاب واستجلاب الكفاءات الطبية اللازمة، وعرف مرضى الداخل، لأول مرة في حياتهم، أن هنالك جهاز فحص يسم سكانير، لم يكن يوجد منه غير جهاز واحد متهالك في العاصمة.
وفي مجال التعليم، شيدت المدارس والثانويات، واستحدثت مدارس الامتياز والمعاهد المتخصصة، كما شيد الكليات الجامعية وتم توفير كافة مستلزماتها البشرية والفنية واللوجستية، ولأول مرة في تاريخ البلاد يخصص رئيس الجمهورية سنة للتعليم والتكوين.
كما شهد البلد انفتاحا غير مسبوق، توج بحوارات مع المعارضة وأدى بعضها إلى نتائج عززت التجربة الديمقراطية، وتم وضعها على المحك في كافة الاستحقاقات الأخيرة (الرئاسية، البرلمانية، البلدية)، وتم تتويجها بالحوار الوطني الشامل، الذي وضع حلولا لكافة الإشكالات العالقة، وأسس لتثمين المقاومة وانصاف شهداء الكرامة الذين ضحوا بأرواحهم دفاعا عن هذا الوطن الغالي وإعادة كتابة تاريخ البلد بأقلام أمينة.
أما فيما يتعلق بالحريات الفردية والجماعية، فقد تقدمت موريتانيا على كافة دول المنطقة في حرية الصحافة وحرية التعبير، وخلت سجونها من معتقلي الرأي، وتعمل الأحزاب السياسية والصحافة ومنظمات المجتمع المدني بحرية تامة، وتشهد الساحات المسيرات والوقفات الاحتجاجية والاعتصامات والمهرجانات بكافة أشكالها دون أن تسجل أية مضايقات، ما لم تصل حد تهديد الأمن.
وبناء على ما تقدم، فنحن ندعو لمواصلة هذا النهج الإصلاحي، حتى تنعم موريتانيا بما تحقق لها من إنجازات طال انتظارها.
بقلم/ إسماعيل ولد الرباني