لا داعي للخوض في تاريخ الشعبين الموريتاني و المغربي , و تعداد ما يجمعهم من تاريخ مشترك ومن أواصر القربى, ولن يكون تجنياً لو قلنا أن لقب الأشقاء ليس إلا تواضعاً في وصف الشعبين , مجلدات كثيرة لن تكفي ولن تستوعب خطوات الشعبين عبر أقنية التاريخ المشترك , لذلك كان واجباً أن نضيء على أي خلافات مرحلية وأن نفضح أي تجني حتى لا يستحيل إلى حقيقة مسلم بها فليس من الود أن تشعر بالغبن مع من تجد بأنه رفيق التاريخ و الإسلام و العروبة , ورفيق مفاهيم كثيرة ليس من الحكمة في شيء خدشها أو المساس بها , ولربما كما يقتضي المنطق , أن تمضي الأمور إلى النقاش وعرض وجهات النظر بشكل مختلف, فلن يكون مفيداً اللجوء إلى بعثرة الخلافات عبر أقنية الإعلام اللامسؤول وتجنيد الأبواق التي لا تسيرها الرؤى والمبادئ بقدر ما تملي عليها المصالح و المنافع الشخصية أفعالها.
لقد سمعنا وقرأنا وشاهدنا الكثير من المغالطات عبر الإعلام المغربي, في موسم جديد من مواسم الافتراء والتجني واستعراض تعالي السياسة المغربية على بلدنا , فذهنية "الوصاية" على ما يبدو مازالت مهيمنة وحاضرة بقوة في السياسية الخارجية المغربية, فرغم التضحيات الكبيرة التى قدمتها موريتانيا في سبيل الخروج من الصراع حول الصحراء الغربية، ورغم كم الخيبات وتبذير الإشارات الإجابية الكثيرة التي لم يلتقطها الطرف المغربي نجد أن موريتانيا بقيت مصممة على خلق أجواء من الود مع الجارة الشمالية فعلى سبيل المثال لا الحصر تبنت موريتانيا منذ أمد طويل سياسة الحياد الإيجابي , وقد بنت الكثير من سياساتها في المنطقة على ذلك الأساس , بل انها لم تحرك منذ عقود أي قطعة على رقعة ذلك النزاع حتى لو كان التحرك يخدم مصالحها الإستراتيجية , تلك المصالح التي تعتبرها أغلب دول العالم مشروعة حتى لو كانت أحياناً لا أخلاقية , ومن الأمثلة اللافتة أيضاً أننا لا نجد سفارة للجمهورية الصحراوية في انواكشوط رغم أن "الحيــاد" كان يقتضي ذلك؛ نظرا لوجود سفارة مغربية! , ناهيك طبعاً عن أمور كثيرة أخرى من قبيل الحذر في التعاطي مع الشقيقة الجزائر والتضحية بفرص تطوير علاقات إستراتيجية معها.
لقد استحوذت ذهنية الوصاية ووهم السيطرة على عقول الإخوة المغاربة إلى درجة كبيرة وصلت إلى حد ان نسمع من يدعي أنه خبير استراتيجي مغربي وهو يصف لقاء وزير الخارجية الموريتاني بالسفير الجزائري المعتمد في نواكشوط بأنه مؤامرة وخيانة تلوح في الأفق!, طبعاً لا يمكن توصيف الأمر سوى بالمرض النفسي العضال الذي يعاني منه الخطاب السياسي المغربي كلما تعلق الأمر بموريتانيا!,
كنت قد سمعت مؤخراً بأن نظريات الطبيب النفسي الشهير "سيغموند فرويد" بدأت تأخذ طريقها للتوظيف في ميدان "العلوم السياسية" في محاولة لفهم وتحليل ومعالجة بعض القضايا الدولية الشائكة (وهذا خبر سار), وربما نكون بحاجة إلى تجريب بعض تلك النظريات علنا نتمكن من حل العقد النفسية التى تحكم وتوجه العلاقات المغربية الموريتانية.
هناك وعي متزايد لدى الشارع الموريتاني بأهمية خلق مناخ ودي بين بلادنا والمملكة المغربية , وهناك رغبة صادقة في بناء علاقة متوازنة تضمن تبادل المنافع وتخدم مصالح الشعبين.
ولعل اغلب الموريتانيين يؤيدون سياسة التجاهل أو دبلوماسية " الإشاحة بالوجه" التي ينتهجها النظام اتجاه الاستفزازات المغربية.
هناك حكمة تقول "صدق نصف ما ترى ولا تصدق شيئا مما تسمع" وتطبيقا لهذه الحكمة فإننا في موريتانيا نعتبر أن ما شاهدنا - خلال الأسابيع الماضية - على القنوات المغربية لم يكن سوى نصف الحقيقة، أما النصف الآخر فهو أن تلك الإساءات لا تعبر قطعاً عن الشعب المغربي الشقيق.
أما ما نسمع يوميا عن مكائد المغرب الرسمي ودسائسه ضد بلدنا فلا نريد أن نصدق منه شيئا؛ فكيف نصدق مثلاً أن المغرب حاول جاهداً إفشال القمة العربية التي عقدت مؤخراً في موريتانيا ؟, وأن دبلوماسيته عملت من أجل إجهاض تمثيل دبلوماسي رفيع لبعض الدول !! , وبأنها مازلت تقدم استشارات مغلوطة عن موريتانيا لحلفائها من الدول التي مازالت تنتهج سياسة التعاطي مع الآخر عبر وسيط!
وكيف نصدق مثلا مقولة ان المغرب يحسد موريتانيا على النجاحات الدبلوماسية الكبيرة التى حققتها في فترة وجيزة؟, بدءاً بترأسها للاتحاد الافريقي ثم الجامعة العربية ونتهاءاً برئاستها للقمة العربية الافريقية؛ هذا طبعا مروراً يتزعمها لدول الساحل ونجاح مقاربتها الامنية؟
وكيف نصدق مثلا ان المغرب غاضب جدا من مجرد علاقات طبيعة بين موريتانيا والجزائر (وهي بالمناسبة بلد عربي مسلم يقع على حدودنا) وهو الذي لم ينزعج يوما من العلاقات المشينة التى أقامتها أنظمة موريتانية سابقة مع الكيان الصهيوني الذي يغتصب فلسطين؟
طبعا مازلنا نسمع يوميا أشياء جديدة لا يصدقها العقل ولذلك لن نصدقها ابدا.
اما حديث البعض عن المغرب الكبير المطاط والمتمدد؛ فيحكى أن رئيس وزراء بريطانيا الشهير تشرشل قال يوم نهاية الحرب العالمية الثانية "الآن انتهت الحرب غير الضرورية" وفي موريتانيا كنا دائما نتمثل هذه المقولة ومازلنا نعتقد حتى اليوم أن النقاش الذي احتدم بين نخبنا والنخب المغربية حول السيادة والإستقلال والصراع السياسي الذي نجم عنه كان من باب الصراعات غير الضرورية؛ ولم نكن نظن أن في المغرب سفهاءاً يحنون إلى تلك المرحلة ويسعون إلى إذكاء ذلك الصراع الذي تركناه وراء ظهورنا منذ أمد بعيد؛ وإذا كنا نحن لا نراه ضروريا - وقد انتصرنا فيه بالكامل وكسبنا رهان الاعتراف من قبل جميع دول العالم - فالأولى بالاخوة المغاربة ان يعترفوا بأنه لم يكن مجديا ولا ضروريا بالنسبة لهم ( وقد خسروا فيه بالمطلق وسقطت كل رهاناتهم).
لا أعتقد بأن هناك موريتاني سوف يقول يوماً بمقولة الرئيس المكسيكي السابق "مسكينة هي المكسيك لبعدها من الله وقربها من الولايات المتحدة"!, فنحن فخورون بموقعنا الإقليمي , وكم نتمنى أن تتمكن دول المغرب العربي من تفعيل منظومتها نحو التكامل التام على غرار التكتلات السياسية العظمى في العالم.
أحمد ولد الداه