بات من شبه الواضح، في ظل تباين المواقف و اختلاف الرؤى، أن واقع المعارضة إن لم يكن مثيرا للشفقة فهو على الأقل مثيرا للدهشة.
فهشاشة الصف و خفوت الخطاب على ضعف المحتوى و غياب المنهجية أمور تفقأ العيون و تصيب بخيبة الأمل؛ خيبة أمل في تناقص حلم قيام معارضة قوية تقف بالمرصاد للانتهازيين و الطفيليين الذي يركبون أمواج الولاء الغرضي و النفاق والتملق للوصول إلى المآرب الأنانية بعدم الاكتراث لسير البلد و أحوال مواطنيه من خلال تعمد الفساد و التبذير و سوء الإدارة.
و يعتقد اليوم أغلب زعماء المعارضة، وإن لم يعلونها، أن معركتهم إلى الحكم خاسرة و أن فشلهم في زعزعة أو إزاحة النظام القائم باتت شبه مؤكدة.
و فيما تجتمع لذلك عدة أسباب موضوعية أهمها استسلامهم لما باتوا يقولون بملء حناجرهم أنها وحدها المؤسسة العسكرية التي تمتلك في واقع الحال زمام الأمور و تسيير البلد الفعلي و قد وحدت لذلك جميع أسلاكها منذ أمد في كيان واحد هو الجيوش الوطنية ذات القيادة و المسعى المشترك.
و لكنهم على الرغم من هذه الحقيقة التي لا يرون بموجبها مخرجا محتملا ـ إلا أن يحدث من داخلها ميل إلى تسليم الحكم للمدنيين ـ في فصل جديد، فإن من الزعامات من يوهم نفسه بأن له، على الرغم من كل الأحوال، مقدرة على إقناع جزء من الرأي الوطني و الخارجي بحتمية حدوث ذلك و بالالتحام بالديمقراطية و تطبيقها منهجا و وسيلة للحكم تكون نتيجة لتنافس الأحزاب المعتمدة على شعبيتها و على رؤاها و برامجها السياسية الواضحة التي تسعى إلى صالح البلد من خلال برامج تنموية مدروسة تنشر الرخاء و تحقق العدالة الاجتماعية و ترفع أمان الأوطان و المواطنين إلى أعلى الدرجات، بينما يعاقر البعض الآخر في سرية مفضوحة فاتنات الارتداد على العقب.
و لا يغيب على أحد أن هذه الزعامات باتت إلى ذلك تحاول، بأسباب من نوع آخر ـ غير التحرك من لأجل الوصول إلى دفة الحكم و توجيه البلد بمحتوى برامجها و رؤاها و فلسفاتها ـ الاستفادة في ظل هذا الوضع الذي أكد دوامه بمنهجيات مختلفة و وسائل شتى من أهمها :
· الانسحاب من بعض أحزاب المعارضة بحجج متضاربة دون الابتعاد المعلن عن فضائها العام في تكريس منهجي لازدواجية نفخ "البارد و الساخن" معا و الإيهام بحمل الرؤية الصائبة بين شططين،
· الإقلال من الخرجات الاحتجاجية و الإمساك عن النقد اللاذع حتى لا يتضرر ذووهم من الذين يطمحون إلى الحصول على امتيازات و يحظون بتعيينات، و إلى فوز بوظائف سامية في مفاصل الدولة أو بصفقات مربحة في كل جوانب العمل ضمن المشروعات الكبرى و الورشات المتنوعة، في تأكيد ـ لا يذكر نفسه ـ للعشائرية و القبلية و الشرائحية و الجهوية الرابضة في النفوس و المالكة زمام التفكير و المسعى.
· رفع سقف المطالبات الجانبية و السرية عبر لقاءات و مباحثات و مفاوضات مع أطراف ولاؤُها الخفي لها و المعلنُ للنظام بهدف الحصول على أكبر قدر من الامتيازات و فرص الحضور في المراحل المقبلة مقابل تنازلات توفر بمقتضاها دعما للنظام و إرضاء لطرف الانتماء و الولاء الاجتماعي الصارخ فيها و خارجها.
و لأن السياسة لم تقم يوما في هذه البلاد على خالص القناعات الوطنية و الرؤى الواضحة و البرامج البناءة، و لا على الغيرة على المصلحة العليا للوطن و العدالة بين المواطنين، فإن ما تتكشف عنه الأحوال في ظل ارتسام مرحلة جديدة يوحي بأن النضج السياسي ما زال بعيدَ المنال و أن التهافت على المصالح المادية الأنانية و الجماعية الضيقة ما زال هو كذلك من إملاءات عقلية لم تعرف يوما الدولةَ المركزيةَ و لا المصلحة الجماعية، أو الإيثار و الوطن الجامع المانع، و إنما كل مظاهر الدولة هي نتاج توازنات عالمية لا تغفل كيانا و لا تُؤثر غيابا، و فقط وحدها الشعوب بنضجها، و النخب بتوجيهاتها و السياسيون بوطنيتهم و نبل مقاصدهم هي العوامل إن اجتمعت التي تضع دولها في المدار الصحيح حتى تحظى بفرصة تأكيد الكيان و مكانته و فرض احترامه بعيدا عن سيئ الوصم و شحيح النعت ضمن دائرة الدول الأكثر فقرا و الأقل حرية و الأكثر مديونية و الني نعتبر مسرحا لهدر كرامة الإنسان والنيل من حقوقه
بقلم/الولي سيدي هيبه