لا أريد أن أدخل في جزئيات الميثاق ،ولا في تشكيلته، وإنما أريد أن أتكلم عن جوهر الميثاق ،وقواقع لحراطين ،والكفاح من أجل الكرامة..
نعم لقد كانت بداية الانعتاق الذي عرفه شعب لحراطين مع نهاية سبعينيات يوم (5مارس 1978)مع حركة الحر ،يوم حصل وعي عند نخبة من شباب لحراطين أن كرامة شعبهم أولى من “كسرة خبز “على طبق من الإذلال والخنوع والتساقط على أعتاب..
ولم يكن محركهم ” لغمة عيش “بعيار الشرف ،ولو كان ذلك هو المطلب وهي الأماني لحققها لحراطين بأقل الخسائر ،وليظلوا في “حمى ” المنظومة البيظانية المتقهقرة ،ينعمون بالفتات ويصفقون على ذقون المذلة ،وأعتاب السقوط ،لكن كان الهدف من حراك لحراطين هو الحصول على حياة جديدة ،ملؤها الحرية والكرامة ،وهم يعلمون علم اليقين أن لهذه الحياة الجديدة مخاطر برائحة الموت ،يموت من أجلها جيل لتعيش أجيال.
وبعد سنين من الكفاح والنضال المتواصل الذي تعرض لعدة محاولات إقتيال ،إلا أن الذين كانوا حاملين لواء قضية، ظلوا صامدين حتى ،يوم 29ابريل 2013 ،فبرز تنظيم حقوقي تحت اسم” ميثاق الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين “حيث أجتمع فيه كل أقطاب القضية ،من شتى الانتماءات والتوجهات ،متجاوزين كل الخلافات ،واضعين القضية فوق كل اعتبار ،مدججين بقناعة مفادها أن القضية لا يخدمها إلا الاستمرار في أوصالها .فجلس في ذلك اليوم ثلاثة وثلاثين رجل ،من قيادات تاريخية من الجيل القديم ،وقيادات شبابية سائرة على الدرب… وكان الهدف الأول من هذا الميثاق هو توحيد صفوف لحراطين، من أجل الوقوف ضد القهر الذي يمارس على شعبهم المفقر.
وبعد أيام من النقاشات والحوار وتحليل والتشخيص ….خرجوا بوثيقة تتضمن إثنين وثلاثين نقطة تتعلق بإنصاف لحراطين في كافة المجالات ،فكان ذلك اليوم الذي أجتمع فيه قادة لحراطين وشبابهم يوم تاريخي بدأ تخلديه بالتاريخ المذكور أعلاه(29 ابريل) وأنا الأن أكتب لكم هذه السطور في ذكراه الخامسة(29 ابريل2018….
نعم لقد أفلح شعب لحراطين حينما سلك سبيل البحث عن الكرامة المفقودة والحقوق المهضومة ،وضحى من أجل ذلك ب”بكسر خبز”على طبق من الإذلال والخنوع، فلن يرضى الأن بغير كرامته وحريته “مطلبا” في حراكه الجارف…
عزيزي القارئ ،دعني أصف لك مشهد من مشاهد مسيرة الميثاق،،وأنت تسير في مسيرة الميثاق، وسط ذلك الازدحام الشعبي لشعب لحراطين العظيم ،حيث الوجوه شاحبة ،بادية عليها علامات وجع سنين ، والعرق متصبب على جباههم المحترقة بلظى الشمس الحارقة ،وبلظى الخنوع الدائم ،أنه الشعب الذي شرب ذات يوم من كأس الإذلال والمذلة على أيدي منظومة بيظانية التي تجاوزت الخطوط الحمراء في الظلم والتسلط، حتى أصبح شعب لحراطين بالنسبة لها مجرد قطيع من الإنعام تسوقه كما تشاء بالسياط على
الظهور والسيوف على الرقاب…
وظل لحراطين تحت الوحشية تعددت صورها ،من الظلم والعدوان والتجني ،من إذلال والإخناء التي توالت عليهم لقرون من الزمن وهم تحت رحمة المنظومة البيظانية المتقهقرة، فمارست عليهم كل أساليب القهر والاستعباد والاستبداد وتكميم الأفواه وإلجام العقول ،وظل هذا الشعب المقهور، قرون من الزمن وهو منضبط في طابور طويل يمده يده لعطاء يناله من “البيظاني” مصاب بجنون العظمة، ويلغبنه ب”الشيخ الكبير ا! وهذا اليشيخ ،نصب رأسه مكان الإلاه على الارض (حاشه)
وستخدم لذلك كل الوسائل ليبقى هذا الشعب تحت رحمته ،فطبق المقولة الفيلسوف “بن رشد” التي تقول ،إذا أردت أن تتحكم في جاهل فعليك أن تغلف كل باطل بغلاف ديني”فكان له ما أراد ،وقال لهم أن طاعته فريضة أنزلها الله من السماء! وأن من يخرج عليه مصيره النار وبئس المصير ….من هنا ترسخ في عقول هؤلاء البؤساء أن هذا الشيخ هو “رازقهم” وهو الذي عليهم أن يخضعوا له، ويتقوا غضبه وجبروته ويتوسلون عطفه وعطاءه ،ثم يشكرونه أن أختار أحدهم في خدمته …
ومارست هذه المنظومة بمشايخها ورؤسائها بعد ذلك كل أنواع الظلم، من تهميش وإقصاء وتفقير وتجهيل للحراطين…
من هنا برزت رئية ميثاق لحراطين من أجل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية ،أننا نعلم أن الطريق لمعانقة الحرية واستعادة الكرامة ،يتطلب منا أولا، إزالة كل العوائق التي تحول دون ذلك ،من جهل وفقر ومرض ،إذ في ظل استحواذ هذه العقبات الثلالثة لا يمكن الحديث عن شرف إنسان وكريم العيش، …
ومن يدخل هذا القطر يدرك أن أمور شعب لحراطين لاتزال على هامش الزمن ،حتى ما يعيشه لحراطين اليوم بين ظهران حياتهم النضالية القاتمة ،العبوسة ،رأن على النفوس مدبريها الكثير من الذل ،والخنوع ،والانكفاء إلى فتات الطين والماء ،والصراع من أجل البقاء البهيمي عوضا عن النضال من أجل العروج في سلالم الأسنة المكرمة التي تصوم على فتات العطاء لتفطر على معالى العزة والكرامة والاعتبار وترفع الحيف…
أترون ما هو الذي السبب الذي جعل المنظومة تمارس هذا الحيف على لحراطين ،هو طبعا ليس لذنب ارتكبوه ،وإنما جريمتهم الوحيدة هي أنهم سودا.
فليستمر الكفاح من الحرية والكرامة حتى تتحقق العدالة والمساواة لشعب لحراطين ولكل المظلومين على الأرض
بقلم/ الحسن مسعود