أخبارالناس/ كنت قد عزمت أن أمسك عن المشاركة في النقاش الدائر الآن على إثر مداخلة النائب سعداني بنت خيطور لسببين أولهما أنه قد سبق لي بمناسبة جدل الترشيحات الماضية أن عبرت عن وجهة نظري في الموضوع أما ثانيهما فهو المسار غير المناسب الذي أخذه النقاش والذي بالغ في الحدية والمزاجية وضعف منسوب الإنصاف والتوازن .
ولكنني عدلت عن هذا العزم لإشارة البعض إلي وإلى المرحلة التي تحملت فيها المسؤولية ثم للبس الذي لاحظته خصوصا في آواخر التعليقات التي اطلعت عليها ، ويهمني في المبتدأ أن أوضح لمتابعي هذا الفضاء أن مثل هذه المواضيع المركبة سواء على مستوى ثنائية المضمون والأسلوب وسواء على مستوى ثنائية المطلوب والممكن وسواء بتداخلها مع غيرها اتساقا أو تباينا تحتاج تفصيلا قد لا يريح قراء هذا الفضاء وكما تعودت وسعيا لأكبر درجة من الوضوح أقدم رأيي على شكل ملاحظات ووقفات لا تسعها تدوينة واحدة :
1 - هناك حاجة لتصحيح التصورات عند بعض الأفاضل فالإسلام لا يفضل ولا يرتب على أساس الأقوام والأنساب ومن المهم هنا التفريق بين الخطاب الدعوي الذي يستثير الناس بما يقربهم وخطاب الأحكام الذي يقر القواعد ويضع الأسس والقاعدة هنا " ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " فبعد وصف حال التعدد والتنوع حصر أساس التفضيل والتقديم ، والتقوى توفيق من الله وكسب للعباد .
إن الفهم القبلي والاجتماعي للخيرية الواردة في الحديث " خياركم في الجاهلية خياركم في الاسلام إذا فقهوا " مرجوح ولمن أراد التعمق أن يراجع ابن حجر في فتحه فالخيرية خيرية الخصال والأخلاق وعلو الهمة لا خيرية العرق والنسب.
وهذا الإحساس بالعلو الاجتماعي ومنطق " أولاد الخيام لكبرات" لا ينسجم مع التحذير حكما والإقرار قدرا الواردين في حديث مسلم " أربع من أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن - وذكر في مقدمتها الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب ..... وحديث أبي داؤود الصحيح مشهور معروف " إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء : مؤمن تقي أو فاجر شقي ، أنتم بنو آدم وآدم من تراب ....."
2 - من المهم أن لا نظلم وثائق تواصل ولا نهجه فلا الوثائق قننت ما يسميه البعض الشرائحية ولا النهج كرسها ، كلما في الأمر أيها الأحباب أن الوثائق الأخيرة - ودوري فيها محدود جدا - في مادة واحدة طالبت عند تشكيل الهيئات واللجان بالأخذ بعين الاعتبار التنوع المجتمعي وهذا بعيد من التقنين وهو إلى الاستصحاب والاستحباب أقرب وللأمانة فإن تطبيقه ناقص ومحدود فلا يناسب أن يزعج البعض إلى هذا الحد .
أما النهج فتجاوز وصفه بشيئ من ذلك فلقد حرص الحزب على معالجة اختلال في الرؤية والممارسة ترجمه ضعف حضور المسألة الوطنية وقضايا المساواة في الخطاب السياسي الاسلامي وهو ضعف لا ينقضه إسهام فقهي أو أدبي هنا أو هناك ( الشيخ محمد فاضل ولد محمد الأمين والشيخ محمد ولد آبواه ) يذكران لندرتهما ولغياب مقتضاهما في خطاب وممارسة أغلب القيادات حينها وأتصور أن الحزب أحدث بعض التوازن ووسع مساحة الاهتمام بهذه القضايا رغم أن البعض ظل متمنعا ومستعصيا على ذلك ، ولا أنفي هنا وقوع أخطاء ومبالغات في هذا المسار ولكنها تغتفر لنبل الهدف وأهمية المقصد .
3 - هناك حقائق عن المجتمع الموريتاني يؤكدها تاريخه ونعيش اليوم بعض مظاهرها وآثارها والاعتراف بالحقائق هو مفتتح العلاج والتصحيح ، في المكون العربي - والراجح أنه في المكون الزنجي ولكني أحتاط لعدم الاطلاع الكافي - كانت هناك فئات مسيطرة لقوتها المادية أو المعنوية بالسلاح أو بالعلم وكانت هناك فئات مهمشة ومظلومة في مقدمتها "الحراطين" الذين مورس عليهم الرق والتجهيل والتهميش ومنها " لمعلمين"الذين تعرضوا لظلم معنوي واسع وكانوا ضحية نظرة مزدرية ومستعلية ....... فأن يطرح البعض هذه المظالم ويتحدث عنها ويطالب بإنصاف كل من تعرض لظلم أو إهانة أو تهميش فأمر مستساغ ووارد بل ومطلوب ، صحيح ينبغي أن يكون ذلك بمسؤولية وحكمة وعدل لا تجاوز ولا تحامل فيه وصحيح أنه من الأفضل أن يطرحه الجميع ويتبناه الكل ولكنه لازم الطرح والصوت بشأنه ينبغي أن يعلو ، وليس من المناسب أن ينحصر اهتمام أي حقوقي بمطلبية قومه أو فئته أو شريحته فذلك باب من أبواب العصبية المذمومة بل عليه أن يتناول كل المظالم المطروحة ويعطيها من الأهمية ما تستحق في السلم الحقوقي والنضالي وأن يكون ذلك بعدل و حق.
وتحضرني هنا ملاحظة سبق لي أن أوردتها وهي أن الحساسية لدى البعض من الموضوعات الحقوقية والشرائحية تغيب أو تضعف عند الحديث عن الموضوع القبلي والجهوي فكثير من القوم عند الترشيح وأثناء قراءة التعيينات والتعليق عليها يستحضر استحضار استحسان أو تفهم الانتماء القبلي والسند القبلي وأشهد أنه لا يزعجه القول إن القبيلة الفلانية لم تمثل أو تأخر موقع المنتمي إليها وقد يتولى قول ذلك بنفسه ، أما تمثيل الأعراق أو تقديم مكون في حجم وأهمية الحراطين أو إنصاف أحد الأطر المنتمين للمعلمين أو غيرهم فشرائحية مذمومة وتلوين متكلف وتجاوز لاعتبارات الكفاءة ونسيان للأبعاد الاسلامية ! وهنا يطيب للبعض الإعلاء من شأن الكفاءة كأن الكفاءة لا توجد إلا في البعض ، أيها الأفاضل الكفاءة في الجميع واطمئنان الجميع وإحساسهم أنهم هنا يرجح كفاءة على أخرى .
ثم إن مصطلح المجتمع الذي يطيب لبعض الأفاضل استعماله محذرا من استفزازه مستفز بدوره لأنه لا يعني في أذهان هؤلاء إلا مكونا واحدا هو المطالب أن يفسح المجال لغيره.
4 - لقد صدر من الكثيرين ما لايناسب من التعبيرات فالاختلاف في الرأي مقبول ووارد ولا إشكال فيه ولكن الفجور في الخصومة واستعمال اللغة النابية مناف للأخلاق الاسلامية ولايزيد الفكرة وضوحا ولا يحقق لها انتشارا فاللطف اللطف وحسن الظن بالآخرين والتمسوا أحسن المخارج والأدب مع إخوانكم وأخواتكم أيها الأفاضل .
5 - بقي لي أن أشير إلى ملاحظة على الأخت النائب سعداني بنت خيطور في مداخلتها البرلمانية المذكورة حينما خاطبت الوزير الأول قائلة إنها لا تجد نفسها في الحكومة وليس متصورا أن تجد فيها نفسها وهي نائب عن حزب معارض وهذه حكومة موالاة والعلاقة بينهما سياسية بالأساس ، وكان يسعها أن توضح عدم تمثيل أو وجود بعض المكونات في هذه الحكومة ولا حرج في ذلك .
يتنازع هذا الموضوع منزعان مذمومان التطرف والتجاهل فالأول يوتر والثاني يغضب والأولى تناوله بعدل والتداول حوله بوضوح ، بصراحة ومسؤولية ، بقوة وتوازن ، بجرأة وإنصاف
قوة الاعتدال تغلب نزق المبالغة وخطر التجاهل .
الرئيس السابق لحزب تواصل محمد جميل منصور