يبدو أنه في الفترة الأخيرة بدأت السلطات تحس بأهمية التعاطي مع أي حدث ولو ظلت الاحداث تتعاقب وتتنوع.
لكنه في ظل التعاطي هذا ـ دون تقييمه ـ لا بد أن نخمن مساعي السلطات بين جدلية صدق النية، أو الخداع الناعم، والتعتيم المتقن.
إن أي ردة فعل من جهة رسمية تجاه أي حدث لا شك ستعكس أثرا إيجابيا، ولو إلى حين في نفوس المعنيين، خصوصا إذا وضعنا في الأذهان أن سكان هذه الأرض حديثو عهد بهذا التعاطي، وقد يفهم أنه نوع من الاهتمام دون الخوض في تفاصيل المستقبل.
ومع هذا الأثر الإيجابي، أو به ونحن نعرف عالمنا جيدا، وما في داخل بلدنا، وسياسيات التسيير وخطط العمل، لابد أن نثير إمكانية أن يكون هذا التعاطي “الناعم” نوع من محاولة خطف قضية ما، أو تأخير نتائجها المتوخاة لحين، وما قول الشاعر:
..وللحرية الحمراء باب، إلا دليل على أن كسب الحقوق قد لا يكون في كل مرة من دون دفع الأثمان، وترى ما هو الحل في ظل هذين الفرضتين؟.
إن التقييم والتدقيق في التعاطي الرسمي مع أي حدث وأية قضية فرضتها ظروف معينة ومدى طبيعة الاستجابة لها يظل أدق وسيلة وأنجع سبيل لمعرفة جدية وصدق هذا التعاطي الذي نشهده في الفترة الأخيرة.
وبسرد جملة أحداث مع تضمين نوعية التعاطي، وصدق مقتضاه بعد مرور وقت على تلك الأحداث ستتضح ملامح الأهمية والقيمة من عدمها.
مؤخرا بدأ عدد من سكان مدينة الشامي في احتجاجات تضامن معها الأهالي في نواذيبو وحت في نواكشوط، وقوبلت هذه الاحتجاجات في الوهلة الأولى برد رسمي تمثل في إقرار توقيف عمل الشرك (سبب الاحتجاج)، وبعد وقت عادت السلطات لتقول أنه وبعد تحقيق في طبيعة عمل الشركة ومكانه فإنه تقرر أن يسمح لها بممارسة النشاط.
ويبدو أن السكان لم يقتنعوا ب”القرار” ليعودوا للاحتجاج، وهذه المرة أكثر شراسة وأشد بأسا، ليواجهوا في المقابل بقوة وبأس، ويكون الثمن أغلى من المرة الماضية.
وفي هذه المرة عاودت السلطات بمنح ضمانات أكثر قيمة في الواقع، لأن الحكومة أبلغت ممثلي الشعب ـ حسب قولهم ـ أنها اشترطت على الشركة إبان توقيع الاتفاق أن الترخيص “مشروط” بالتشاور مع الساكنة حول امكانية قيامها بنشاطها في المكان المحدد، وأنه ليس نهائيا إلا بعد التشاور مع الساكنة.
واستنادا لهذه التجربة مع سكان الشامي وأهالي العاصمة الاقتصادية يمكننا معرفة مدى جدية السلطات في تعاطيها مع الأحداث المتعاقبة، ومدى صدقه وجدوائيته؟
وتجارب أخرى مرت يمكن أن ينطبق عليها نموذج “حراك الشامي” قضية رجلي الأعمال محمد ولد بعماتو، والمصطفى ولد الشافعي، وحريق الأطفال بدار النعيم، وقضية ملاك البرص، وقضايا أخرى تحل بين الحين والآخر.
يبقى أن نعرف جيدا أن أي تعاطي لا يمكن بالمرة أن تضعه في خانة السلبي وكأننا نعيش مؤامرة من الداخل وممن يفترض انهم ذووا الرأي والأمر، وفي ذات الوقت ليس ضمانا مكتمل الشروط لتحقيق الأهداف المطلوبة والغايات المنشودة.
مصطفى سيديا / كاتب صحفي