في العام 1973 قررت مصر وسوريا شن الحرب لتحرير سيناء والجولان. وقف العرب والمسلمون وقفة رجل واحد نصرة للحق إنها حرب العاشر من رمضان.
من ذلك موقف الملك فيصل رحمه الله حينما قرر المؤازرة بوقف ضخ البترول عن دول الغرب بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية لدعمهم الأعمى للاحتلال.
في 15 اكتوبر 1973 أوقف ضخ النفط تماما بعد ثمانية أيام من بدء العبور. فما الذي حدث بعد ذلك؟.
توقفت المصانع ويبست محطات توزيع الوقود واشتد البرد في أوربا والغرب عموما مع تناقص وقود التدفئة. تبدلت الحركة فجأة والتنقل من السيارات إلى الدراجات الهوائية. لقد كانت صدمة نفسية سياسية واقتصادية أحدثت من التفاعل ما غير الآراء و وجهات النظر وحتى المواقف في وقت قياسي. قضية فلسطين أصبحت محور النقاش في وسائل الإعلام الغربية وتصدرت المواضيع الخاصة بالشرق الأوسط مقدمة البرامج التحليلية ذلك لأن الاقتصاد أصبح في دائرة الخطر، التغير في الرؤى والتفهم لأسباب الحرب بات أقرب إلى الإنصاف منه إلى التحامل وانسحب الأمر على الحكومات باستثناء حكومة الولايات المتحدة التي ظلت على صلفها وتعنتها.
وما إن أطل العام 1974 حتى بدأت حكومات الغرب ترى بأم العين حصاد السياسات السابقة. بدأت أسواق الأوراق المالية تتهاوى وظل الانهيار متواصلا عاما كاملا ولم يتوقف إلا في نهاية العام الذي بدأ فيه رغم أن وقف ضخ البترول لم يستغرب بضع أسابيع.
في المقابل جاء وقف الضخ بردا وسلاما على المنتجين العرب والمنتجين الآخرين في منظمة الأوبك المنتمين لدول العالم الثالث والمناصرين في جلهم للحق العربي.
كان سعر البترول قبل 6 أكتوبر 1973 يتراوح ما بين 5 إلى 6 دولار للبرميل الواحد وبعد أيام قليلة ارتفع السعر إلى خمسة أضعاف ليصل 30 دولارا للبرميل وظل من ارتفاع إلى ارتفاع إلى أن قارب المائة دولار ومنذئذ تأكد أن جزيرة العرب وما حولها هي قلب العالم.
عم الخير كل أرجاء منطقة الشرق الأوسط بفعل تلك الحرب المباركة التي كان الهدف منها إعادة الحق لأصحابه فكانت طفرة مالية لم يسبق لها مثيل.
(كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) الآية 216 البقرة.
الحرب على الصهاينة الغاصبين مجلبة للخير لأن الهدف منها إحقاق الحق واسترداد الحقوق فلا جدال في شرعيتها، وأما التصالح مع الصهاينة فهو مجلبة للشر لأنه يؤسس لمبدأ الاستيلاء على الأرض بالقوة وبشرعنة الاحتلال وكما أنه إضفاء للحق على الباطل فهو مكافأة في غير محلها للمعتدي، فلا جدال في استهجانه وذمه على أقل تقدير.
فلسطين هي القلب من الأمة فمن غير الأحمق أو الذي في قلبه مرض ذاك الذي يسلم أوداجه للذبح غفلة أو طواعية فيصادق عدوه اللدود ويعادي إخوته في الدم والدين.
وما تصالح عرب مع الصهاينة إلا وكافئوا المتصالحين معهم بما يناقض ما قطعوا على أنفسهم من عهود.
اتفاقيات كامديفد العام 1979 تمخض عنها في العام 1981 ضرب مفاعل تموز في العراق ثم اجتياح لبنان ودخول بيروت في العام 1982 ثم جاء الدور على الموقعين فتقزمت مصر حجما ودورا وأداء إقليميا وقاريا، عربيا وإسلاميا ودوليا. إنه حصاد التفريط في الأرض المقدسة ولا جدال في أن للصهاينة يد في مشروع يبس النيل الذي نشاهده الآن فصولا.
.في ظل التهافت على التصالح مع العدو الغاصب للأرض المقدسة يصبح التفرد والعبث بالضحايا المتصالحين معه هو قانون الاشتباك السائد، (ما خلا يهودي بمسلم إلا وحدثته نفسه بقتله) حديث صحيح.
ديننا هو حضارتنا، فما معنى الحياة إن كانت الأمة هي المستهدفة في روحها وقيمها وأخلاقها وعقائدها ومقدسها.
حينما سكتت المدافع بين مصر والكيان الغاصب بعد قولة السادات لا حرب بعد حرب أكتوبر، ظن الصهاينة الغاصبين أن الأمر قد استكان لهم وما هي إلا بضع سنين حتى أطلت الانتفاضة المباركة في العام 1987 ولتتواصل إلى غاية العام 1991. لقد كانت أشد إيلاما وبأسا على العدو من كل الحروب السابقة رغم أن المواجهة كانت بين جيش محتل مدجج بأفتك أنواع الأسلحة وفتية سلاحهم الحجارة والعزم والإصرار على المقاومة، وانتهت الانتفاضة الأولى مع بدء الترتيبات لاتفاقيات أوسلو في العام 1993 التي كانت تمثل حجر العثرة أمام المقاومة والمقاومين.
ثم جاءت الانتفاضة المباركة الثانية بعد أن تبين أن أوسلو ما هي إلا هباء في سراب والتي اندلعت في 28 سبتمبر 2000 ولغاية 08 فبراير 2005 حيث انتهت إثر قمة في شرم الشيخ جمعت عباس بشارون.
سنين الانتفاضة الأولى والثانية “عشر” مثلت زلزالا هز الكيان البغيض في أعماقه ورسخ الشك في إمكانية بقائه حيا. مثلت السنين العشر دورة مكتملة الفصول لنهج من البطش والجبن تخرج معه جيش الاحتلال كأجبن جيش على وجه الأرض. يواجه الحجارة بالرصاص ويواجه النساء والأطفال العزل بالدبابات والطائرات.
لقد كانت الجولات القصيرة لجيش الاحتلال في لبنان في الأعوام 2000 و 2006 خير دليل على الهزيمة التي أصبحت تلاحق ذلك الجيش نتيجة لما ألحقته به ممارساته البشعة في وجه العزل خلال الانتفاضتين. لقد فر من الميدان مذعورا لا يلوي على شيء في وجه قلة من المقاومين في الجنوب اللبناني غير أنهم كانوا مسلحين جيدا ومدربين جيدا ولديهم قابلية حركة عالية وتحصينات ذكية وباع طويل في الحرب الالتكرونية وكثافة نيران تطال العمق الإسرائيلي بمنظومة قيادة وسيطرة محكمة.
الإجهاز على الانتفاضة الأولى والثانية بالحيل والمكائد لا يعني موتها ذلك بأن القلوب تتوق إليها ولأنها تسكن القلوب. الانتفاضة تسكن قلب كل فلسطيني يؤمن بفلسطين وطنا وتسكن قلب كل مسلم يؤمن بأولى القبلتين وثالث الحرمين وبمسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا وصدقا وبأن الملحمة قادمة لا مناص.
التحريض على المقاومة بشتى أشكالها والانتفاضة خاصة ضد المحتل هي بالضرورة ضرورة عربية وإسلامية.
(لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي من خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود) رواه مسلم 2922.
المتصالحون مع الصهاينة مخطئون لأنهم يتحالفون مع الظالم ضد المظلوم، فأين الخير في ذلك؟.
أهل الجاهلية خير من هؤلاء وقد انتجوا حلف الفضول، حلف ينصر فيه المظلوم إلى أن ينال حقه ويؤخذ على يد الظالم حتى يؤدي ما عليه، حلف يؤوى فيه المستجير، فأين حلف المتصالحين مع الصهاينة من هذا الحلف النبيل على جاهليته.
المتصالحون مع الصهاينة لا يعقلون فقد أخبرنا عن يهود بما هو يقين كما علمنا التاريخ وعلم غيرنا أن هؤلاء القوم لا عهد لهم ولا ذمة والعاقل من اتعظ بغيره عكس الجاهل.
الاحتلال منذ تأسيس كيانه البغيض وهو موغل بارتكاب الجرائم والمجازر تحت سمع ومرأى ما يسمى بالمجتمع الدولي، ومع ذلك لم يفلح في كسر إرادة الشعب الفلسطيني، ويتجلى ذلك في مقاومته التي أثبتت قدرته القتالية العالية من خلال تصنيع وتطوير وامتلاك واستخدام منظومة تسليح مميزة ورادعة وجبهة داخلية متماسكة رغم الحصار الظالم وإرادة لا تقهر.
المتصالحون مع الصهاينة مخطئون ذلك بأن فلسطين قضية من قضايا الإجماع التي لا يخرج عنه إلا ما رق. ولأجل فلسطين يتمنى كل مسلم أن تنتهي حياته على ثراها الطاهر مجاهدا وشهيدا ولأجل فلسطين تهون الدنيا.
المتصالحون مع الصهاينة يتمثل فيهم حديث رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم (شر الناس من باع آخرته بدنياه وشر منه من باع آخرته بدنيا غيره).
المتصالحون مع الصهاينة هم الخاسرون.
(والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) من الآية 21 يوسف