تعتبر منطقة الساحل مرتعا خصبا للإرهاب و الجريمة العابرة للحدود , وقد تضافرت عدة عوامل لخلق هذه الهشاشة الامنية أبرزها عدم الإستقرار و الأمن , و قيام الثورات في الشمال الإفريقي زيادة على تهريب الأسلحة و السلع و الأنشطة الإرهابية التي يقودها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي و بوكو حرام في نيجيريا و غيرها و أخيرا ظهور داعش بقسوتها و تشددها , وجود موريتانيا ضمن هذا الحيز الجغرافي الفسيح جعلها عرضة لهزات أمنية متتالية بدأ بالهجوم الإرهابي على حامية المغيطي , مرورا بعملية تورين الدموية , و قتل السياح الفرنسيين و التفجيرات علي مشارف العاصمة أنواكشوط كلها عوامل من بين أخرى جعلت السلطات الموريتانية تباشر في وضع خطة مقاربة أمنية متكاملة هدفها محاربة التطرف و الإرهاب و الجريمة العابرة للحدود و بسط الأمن على كامل التراب الوطني وقد إعتمدت هذه المقاربة على خمسة محاور محور قضائي – ومحور عسكري أمني – وآخر سياسي إجتماعي – و محور دبلوماسي – و أخيرا محور فكري ديني .
صادقت الحكومة الموريتانية على عدة قوانين منظمة لهذه المقاربة تحت مسمى ( القوانين المنظمة للمقاربة الأمنية الوريتانية رقم 035\2010) واعتمدت هذه المقاربة على المحاور الخمسة الآنفة الذكر
أولا : المحور القضائي :تميزت الإصلاحات التي تم إدخالها في هذا السياق بتوخي الحرص على الموائمة بين الصرامة التشريعية و الحسم القضائي من جهة و مرونة السياسة الجزائية من جهة أخرى معى مراعات المواثيق الدولية لحقوق الإنسان , و ذلك من خلال مراجعة و تحسين الإطار القانوني و تطوير المنظومة القانونية لمكافحة الإرهاب, و ملائمة بنى المؤسسية القضائية إضافة للمصادقة على الإتفاقيات الدولية .
ثانيا : في مجال الدفاع و الأمن : . الدفاع : منظومة البلاد الأمنية هي ترجمة لأهداف عامة تأخذ في الحسبان الخاصية الشمولية للتحدي الأمني الإقليمي و الدولي , وتتلخص هذه الأهداف في الدفاع عن الأرض و السكان , و في مساهمة موريتانيا في أمن الساحل و المغرب العربي و إفريقيا و العالم .
ضمن هذا الإطار تسعى المقاربة للإضطلاع بثلاث وظائف هي : ( الإستباق-الحماية- التدخل) , و تقوم على خمسة مبادئ هي : التكامل و التآزر أثناء العمل – الحركية و المرونة و التكيف- الشراسة و الحماس – القدرة على المناورة و البينية و التعاون و أخيرا إستراتيجية إعلامية تستجيب للمتطلبات العملياتية .
. الأمن : أما المقاربة الأمنية فتعتمد على أربعة مرتكزات هي : الوقاية- الحماية- المتابعة- التعاون الأمني .
ثالثا : المجال السياسي و الإجتماعي : إدراكا من السلطات الموريتانية بوجود علاقة طردية بين الشعور بالظلم و التطرف العنيف , حيث أن الأشخاص الذين يعانون من الفقر و الحرمان والفراغ – خاصة الشباب يمثلون أهدافا سهلة للتطرف فقد تبنت السلطات إستراتيجية وطنية تعتمد في بعدها السياسي و الإجتماعي على ركيزتين :
أ. إرساء قواعد الحكم الرشيد.
ب. وضع إطار إستراتيجي لمكافحة الفقر.
رابعا : المجال الدبلوماسي: لقد اسهمت الدبلوماسية الموريتانية في مواجهة التطرف العنيف , و البحث عن السلم و الأمن على مسارين هما :
-الدبلوماسية الوقائية
-الديناميكية الدبلوماسية.
وذلك بتعزيز التعاون شبه الإقليمي من جهة و بناء نظرة شمولية متفقة مع الشرعية الدولية و مفضية إلى تغليب الشرعية .
خامسا : المجال الديني و الفكري: إنطلاقا من كون الجماعات المتطرفة , توظف الإسلام كمصدر للإستقطاب و كسب الشرعية الدينية , وكإيديولوجيا موحدة لأعضائها ووسيلة للتغطية على أعمالها الإرهابية, فقد قررت الدولة الموريتانية أن تواجه هذه الجماعات على أرضية الخطاب الديني والفكر الإسلامي نفسه و فتحت جبهة فكرية ضد خطاب التطرفى العنيف و ذلك بهدف : ا- نزع الشرعية الدينية عن خطاب التطرف .
ب-توحيد المرجعية الدينية ( إنشاء هيئة وطنية للفتوى و المظالم).
ج- تصحيح المفاهيم المغلوطة في المنظومة التعليمية .
د- تفعيل رسالة المسجد .
ه- الحوار مع الجماعات المتطرفة .
و أخيرا فقد أفضت هذه المقاربة بمختلف محاورها إلى موريتانيا خالية من الإرهاب و التطرف منذ ما يقارب عقد من الزمن و حتى اليوم , وذلك في محيط يغلي بالتطرف و الثورات , ولم تقتصر موريتانيا على تأمين حدودها فقط بل بدأت فعلا في تأمين محيطها الجيواستراتيجي و المتمثل في دول الساحل الخمس و ذلك بإنشائها تشاركيا مع بقية دوله (مجموعة الساحل ) , حيث تم إنشاء قوة مشتركة هيآت إقتصادية مشتركة , فهل ستنجح موريتانيا في تحقيق أهداف هذه المجموعة كما نجحت في مقاربتها الأمنية؟
بقلم/ العقيد ركن اشبيه محمد حم
دورة 20 العام 2020 أركان حرب