إن اختيار موقع وكالة كيفة للأنباء لنشر المقالات أمر موفق فالموقع يشاهده الكثيرون وأنا من زواره كل يوم، وقد لفت انتباهي مقالا بعنوان «جوناب تبوح لفخامة الرئيس ...." ولولا أن صاحبه ينتسب إلى أسرة علمية معروفة هي أسرة أهل أحمد الهادي لقلت بأن ناشر المقال غريب على المنطقة وعلى أهلها، فقد وردت مغالطات كثيرة لاشك أن سببها هو قلة المتابعة وعدم الاطلاع على حياة الناس اليومية وطبيعة عيشهم ونمط تفكيرهم، ولتوضيح الصورة للقارئ أكثر أقول: إن بلدية جوناب من أهم بلديات مقطع لحجار وتحوي حوزتها الترابية محاظر من أعرق وأهم المحاظر الموريتانية على الإطلاق، وهذه المحاظر هي : محظرة أهل اجميلي في شلخت الرخم، ومحظرة أهل محمد الأمين في أونيجة، ومحظرة أهل أحمد الهادي في بوسويلف ، ومحاظر كبرى لمجموعات تركز وتاكاط واتمدك وغيرهم، كما تضم البلدية سدودا ضخمة مثل سدي الزمال ولغاثة في شلخت الرخم وسد جوناب وسد واد أمور وسدود أخرى كثيرة من الدرجة الثانية والثالثة، فالمنطقة زراعية ورعوية بامتياز ورغم الاشعاع العلمي المشهود الذي عرفته البلدية من كثرة المحاظر وتميزها فإن هذه البلدية ظلت مهمشة ومنسية من جميع الأنظمة.
والتشجيع الذي ذكره صاحب المقال في الفترة ما بين 1960 إلى 1986، لم نسمع به ولم نشاهده نحن سكان هذه البلدية ، فلقد كانت البلدية خالية من أي مرفق عمومي، لا توجد مدارس ولا نقاط مياه ولا مراكز صحية ولا سياج لأي سد من سدودها الكثيرة، رغم مطالب أهلها الدائمة .
أتذكر قصيدة مطلبية لمصلح جوناب محمد ولد عبد الجليل قرأها أمام المرحوم المختار ولد داداه.
جوناب قريتنا ترجو مقاطعة ........... لأجل ما جمعت من جملة الضعفاء
لحفظها من صروف الدهري قاطبة........ بحاكم قاطن ليس ينصرفا
ودار مدرسة تبنى لقريتها......... ودار طب لمن قوى ومن ضعفا
هذا الذي نرتجي من فعلكم.........يأتي لنا سرعة من فضلكم وكفى
لقد كان الإشعاع العلمي في هذه البلدية متميزا ويدلنا على ذلك مجموعة العلماء التي عاشت ودفنت فوق أديم هذه البلدية - محظرة أهل اجميلي العلامة المرابط سيدي محمد ولد أجميلي ، العلامة محمد المختار ولد الطيب ولد اجميلي الملقب (مختور) وهذا الأخير اختير للتصحيح لأول مجموعة من القضاة يتم اكتتابها في مدينة "اندر السنغالية" والتي اختارت القضاة :محمد سالم ولد عدود، أب ولد النة، عبد الله ولد بيه..... واللائحة طويلة.
كما كانت محظرة أهل محمد لأمين في اونيجة واحدة من أهم محاظر موريتانيا كما كان العلامة لمرابط اباه ولد محمد الأمين أجل علماء عصريه.
ولا يسع المقال لذكر كل المحاظر وكل العلماء في البلدية، المهم أن المكان كان يستحق العناية في الأزمنة والأنظمة السابقة ولكن ذلك لم يقع.
لقد انكفأ سكان البلدية على أنفسهم في ظل الأنظمة السابقة بعد يأسهم من تلبية أي طلب في أي مجال من مجالات الحياة المتعددة، وبدأت المجموعات تدبر أمرها بعيدا عن أي رعاية من السلطة.
ولكن الصبر والاستقامة التي ظلت الميزة التي يمتاز بها سكان هذه البلدية جاءت بالفرج فمع مجيئ نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، بدأ الاهتمام بالمناطق الرعوية الفقيرة والمهمشة وكانت البلدية مركز الدائرة لمثلث الفقر( مثلث الأمل) وهناك أمر آخر كان في غاية الأهمية فقد تمكن أحد الأطر من أبناء هذه البلدية أن يشق طريقه بنفسه رغم الصعاب والعراقيل معتمدا على الله ثم على الكفاءة النادرة والتميز اللافت والاستقامة الموغلة في التوكل على الله والاعتماد عليه.
تمكن هذا الإطار أن ينشق طريقه فاكتشف أصحاب القرار في البلد موهبته وبدءوا في استغلاله للوطن كله وكانت لمقاطعة مكطع لحجار وبلدية جوناب نصيبهما، هذا الإطار هو " المختار والد اجاي" فقد قام مشكورا في توفير، النقاط المائية، المراكز الصحية، المدارس، تشجيع ومساعدة المحاظر، تشجيع التجمعات النسوية والرعوية، تسيج السدود،
الاتصال والاطلاع على ظروف المجموعات الأكثر هشاشة وفقرا، مد الأسلاك الكهربائية للبلدية مرورا بأهم التجمعات في البلدية.
واعترافا منا بالجميل وتذكرا منا للمقولة" من لا يشكر الناس لا يشكر لله" فإننا نثمن نحن فقراء هذه البلدية تلك المجهودات ونشكر رئيس الجمهورية على الثقة التي منحها إياه، ونقول لرئيس الجمهورية لقد وفقت في الاختيار، ونحن ملتزمون ببرنامجك ونقول لك ماقال سعد بن معاذ يوم بدر لرسول الله صلى الله عليه وسلم( والله لو اجتزت بنا هذا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، إننا قوم صبرا عند اللقاء)
هذا هو ما ( تبوح به جوناب لفخامة الرئيس............) إن خيط الاعتراف بالجميل والتزلف دقيق والمراد من المقال هو الاعتراف بالجميل، فمن فهم غير ذلك يكون دالا عليه قول القائل:
قد يقصر الغبي عن فهم الحكم........ وهي لغيره كنار بعلم
الطيب ولد محمد المختار ولد اجميلي
شلخت ارخم