قد يخيل لنا أن الطبقة السياسية فرقتها “بلتيك” وجمعها المصاب، و تناست كل مفردات الخلاف، لان الموت يمحو كل خلاف.. إلا أن قراءة المشهد وتحليله معلوماتيا وسياسيا يوضح بجلاء أن خيمة عزاء والدة الرئيس السابق كانت سياسية بامتياز، حيث أن ولد عبد العزيز وحوارييه لم يفوتوا هذا الرزء من أجل استثمار تدفق اتجاهات سياسية وشعبية مختلفة على التشييع والتأبين، وذلك لتمرير رسائل للسطلة الحاكمة عبر أشخاص من جوقة “الهيدانة” في الجنائز والأعراس يكيلون المديح للمعزى ويصفونه بالزعيم السياسي المظفر، ويطالبون العدالة بالكف عن ملاحقته، وأحيانا يتم تمرير تلك الرسائل عبر أصحاب الاحتياجات الخاصة لاستدرار التعاطف وتوعد معارضي ولد عبد العزيز بالويل والثبور وعظائم الأمور.
والغريب أن لد عبد العزيز لم يطلب من هؤلاء أن يطبقوا أفواههم على الأقل احتراماً للوقار الذي من المفترض أنه يطبع الحدث، بل تركهم يسترسلون في مدحه وذم خصومه.
لقد كان لافتاً ذلك الحضور المكثف للمنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمون حيث انتشرت صورهم مع المعزى على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وتوافدوا من مختلف المستويات على السرادق، وقد دخل “الإخوان –من المعارضة الناطحة لنظام ولد عبد العزيز- على خط العزاء وهم يرتدون جلود الحملان مستخدمين مهاراتهم الكبيرة في التوظيف السياسي للمآتم وبيوت العزاء.
كما اعاد هذا العزاء للواجهة وجوهاً سياسية توارت عن الأنظار كزعيم حزب الهلال أحمد ولد داداه وغيره من الوجود السياسية التي تريد تسجيل الحضور.
ويمكن تلخيص المشهد بـثلاثة سيناريوهات، الأول بدء الظهور العلني لأطياف المعارضة الناطحة لولد عبد العزيز إبان حكمه والمهادنة للنظام الحالي فى عزاء لرجل بين انظار العدالة بهدف إظهار أصالتها من خلال تقديم واجب العزاء فى والدة أول شخص أطاح بأحلامهم السياسية، والثانى محاولة الرد على اتهامات الرجل للتيار بالوقوف وراء الدفع بملفه القضائي لأقصى درجات الاحتقان وإحراقه جماهيريا، كنوع من الانتقام الناعم.
والسيناريو الثالث والأخير هو أنهم أرادوا أن يقولوا للمجتمع بأنهم يبدأون صفحة جديدة مع الجميع بمن فيهم الخصوم، وأن الخلاف فى الرأى لا يعنى عدم تأدية الواجب.
فهل سينتهي كل هذا الغزل بمجرد فك الخيمة واعادة تركيبها في مكان اخر، وهل سيكون له تأثير على الملف القضائي الخاص بالرئيس السابق والمتهم خلاله بالثراء الغير مشروع واستغلال النفوذ من أجل جمع المال العام؟
المحصلة أن المواطن هو اضعف حلقة في هذه المسرحية وسيبقى ينشد استقامة رجاله مع الحق سواء كانت السياسة بأخلاق أو بدون اخلاق.