كلمة الإصلاح هذه المرة تود أن تبدأ بتهنـئة الشخصين الذين أبلاهم الله بلاء حسنا في قضية ذلك القانون المسيء وهما : النائب المحترم الفاضل محمد عبد الرحمن ولد الطلبه رئيس خلية النواب المكـلفة بالشؤون الإسلامية ، وكذلك الأخت الكريمة الفاضلة معالي الوزيرة فاطمة بنت حبـيب جزاهما الله خيرا .
هذان الشخصان تـناقـلت عنهما وسائل الاتصال الاجتماعي موقفا تذكرا فيه أنما عـند الله للمسلمين خـير وأبقى .
فالنائب جزاه الله خيرا عـندما اطلع هو وخـليته على أن مقـنـن هذا القانون لم يـلتـفت إلى كثرة التـقنين الإسلامي في قضية تـلك الشراكة التي بدأها الله عن علم بـين الذكر والأنـثى عند خـلق أول إنسان وذلك في قوله تعالى (( ومن آياته أن خـلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينـكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتـفـكرون )) وما فصل بعـد ذلك من التشريع الخاص بهذه الشراكـة .
وجعـل هذه المودة والرحمة بـين الأزواج لا يمكن لأي بشـر أن يجعلها لولا أن الله جعلها بيـنهما ، ولذا فإن بعد تـشريع الله لها وجعلها بين الأزواج عالج كيفيتها واستمرارها بينما تـقـنين البشر جعلها مصارعة بـين شخصين إنسانيـين كل يـريد أن يثـبت شخصه أمام الآخر كما سلـكه صاحب تـقـنين هذا القانون النوعي المسيء ، فـتـقـنين المولى عز وجل مبني على النشأة البـيلوجية التي أرادها الله في خـلق كل من الزوجين فهيأ الجهاز العصبي للمرأة للإنجاب والإرضاع مع تركها إنسانا صالحا للحياة المستـقـلة إذا احتاجت لنـفسها في طول حياتها وكون الرجل كذلك بـيلوجيا صالحا في كل ساعة للكدح وطلب الرزق وكلفه بالإنفاق على الجميع على نفسه والزوجة والأولاد إلى ما يعرفه الجميع في التشريع الإسلامي .
وبهذا التـكوين البـيلوجي الخاص لكل منهما والذي يستحيل أن يغـيـره البشر ترتـبـت عليه القوامة للرجل على المرأة عـند اشـتـراك هذه الزوجية وليست قوامة لجميع الرجال على جميع النساء كما فسرتها عائشة رضي الله عنها بأن معناها يتعـلق بالفرد مع الفرد وليس بالجمع مع الجمع فكم من امرأة قوامة على الرجل عندما يتحتم ذلك في الحياة البشرية مثـل إسناد المسؤولية إليها أو نفـقـتها على من تعينت عليها نفقته وذلك مفصل في التشريع الإسلامي،أما أثـناء تـلك الشراكة فقد عالجها الإسلام بكل النصوص وجاء على نشوز المرأة ونشوز الرجل وأقـر نصوصا تعالج ذلك في الحالتين ، فنشوز الرجل قال فيه المولى عز وجل (( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصالحا بـينهما صلحا والصلح خير )) أما نشوز المرأة فيقول فيه المولى عز وجل ((والتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع وأضربوهن )) وهذا الضرب هو الذي أمر به الوالد لابنه أي للتأديب فقط الذي يؤدي للطاعة ولذا يقول الله (( فإن اطعنـكم فلا تبغوا عليهن سبـيلا إن الله كان عليا كبيرا )) وفي آية أخرى في الشقاق بـينهما بمعنى في حين لم يكن فيه نشوز أحدهما من الآخر بل الخلاف العادي الذي يكون بين ساكن البـيت الواحد فاستدعت الشريعة أهل الحكماء من أهليهما ليقع الصلح بحضرة الجميع لا غالب ولا مغـلوب وتستـمر المودة والرحمة بـينهما .
هذا النمط من المعالجة للخصوصية التي تـقع بـين أهل البـيت سواء كانوا أزواجا أو حتى بين أصول وفروع لم يتطرق إليها قانون النوع المسيء بل جعـل الكلمات العرضية ساعة الغضب تؤدي إلى السجن ربما عدة سنوات إلى آخر كل ما جاء في ذلك القانون المسيء على الإسلام من العور في النصوص الإسلامية بل من العمى عن قول الله تعالى بعـد التشريعات (( تـلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله ندخـله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفـوز العظيم ومن يعص الله رسوله ويتعـدى حدوده ندخله نارا خالدا فيها وله عـذاب مهـين )) ومن الواضح أن الوعـد والوعـيد هنا بالجنة والنار موجه إلى من امـتـثـل حدود الله في التشريع وإلى من تعدى حدود الله في التشريع كذلك .
ومن هـنا يتـبـين للجميع آثار توفيـق الله للسيد النائب رئيس خلية الغرفة المكلفة بالشؤون الإسلامية في البرلمان حيث نـقـل عنه تصريحه بعـد ما اطلع على أن هذا القانون النوعي ليس كله مطابقا للشرع الإسلامي ( أنه مادام هو رئيس تـلك الخلية سوف لا يوقع على إجازته للنـشر أمام البرلمان في جلسة عـلنية( تـلك الكلمة التي رفعها الله إليه هي وعملها الصالح) مع أنه في نفس الوقت صرح بأن كلا من الموالاة وسلطتها وكذلك المعارضة : الجميع لم يقـف أحد منهم مساندا للدفاع عن هذا القانون أو عدم الرضي عن إرجاع الخلية الإسلامية له حتى تكون ملاءمته للتشريع الإسلامي واضحة للجميع) .
أما السيدة الكريمة معالي الوزيرة فاطمة بنت حبـيب التي كتبت المواقع ما يوحى بأنها آثرت الحياة السعيدة الدائمة في الآخرة على الحياة الكئيـبة في الدنيا الفانية ، وذلك بامتـناعها عن تـقديم هذا القانون النوعي المسيء أمام البرلمان بالرغم من أن الظاهر للنظرة البدائية أن القانون قـنـن لصالح النوع الذي تمثـله هي السيدة الوزيرة ولكنها في نفس الوقت ظهر أنها تذكرت قوله تعالى(( يوم يفـر المرأ من أخيه وأمه وأبيه )) ولا سيما جنسه ونوعه وشريحته وعشيرته إلى آخر ذلك لأنهم لا أنساب بـينهم يومئذ ولا يتساءلون ، كما أن هذا الامتـناع عن الدفاع عن القانون الذي فيه خيانة لتشريع الله لعباده فوق أرضه يوحى بأن السيدة الفاضلة معالي الوزيرة تـذكرت قوله تعالى (( ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما)) وقوله تعالى في الآية الموجهة إلى جميع المحامين المدافعين عن الباطل أيا كانو (( ها أنـتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل عنهم يوم القيامة أمن يكون عليهم وكيلا)) فنرجو من الله أن يكفر عنها بهذا الامتـناع موافقـتها عليه في مجلس الوزراء وأن يعوضها الله عن الوزارة في الدنيا والآخرة ما يحسدها عليه دنيا وأخرى الوزراء الموافقون على هذا القانون المسيء ( ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب ) مع أنـنا نـتـيـقن أن موافقـة الوزراء عليه ليست محادة لله ولرسوله ولا لعدم احترامهم لتشريع الله لعباده فوق أرضه ولكنه الانفصام النفسي القاتـل الذي تختم به العادات والتقـاليد على قـلب المؤمن حتى لا يربط دائما ربطا وثيقا بين حياته وتصرفه في هذه الدنيا وما ينـتـظره في الآخرة من تصرف المولى عز وجل معه حسب تصرفه في تـلك الحياة كما يقول تعالى من بداية التـفكير إلى نهاية تـنـفيذ العـمـل (( ولا يعملون من عمـل إلا كنا عليكم شهودا إذ تـفضون فيه وما يعزب عن ربك مثـقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين )) مع أن المطلوب من هذا الإنسان موضحا أظهر توضيح في جميع النصوص الإسلامية سواء كان بين الفرد والفرد أو بين الفرد والمجتمع .
فكثير من المسلمين لا يربطون بين هذين الداريـن إلا عند وفاة المسلم أي مسلم كان يقولون ((يا أيتها النفس المطمئـنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فأدخلوا في عبادي وادخلي جنـتي )) وما يدري أهل هذه النفس المودعة هذا الوداع أن قـبـل هذه الآية مباشرة قوله تعالى (( كلا بل لا تـكرمون اليتيم ولا تحضون على طعام المسكين وتاكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حبا جما )) وقوله تعالى (( وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأني له الذكرى يقول ياليتـني قدمت لحياتي )) حتى يصل سياق الآيات إلى قوله تعالى (( يا أيتها النفس المطمئـنة )) .
ولأجل ذلك كله فإن المسميات والعناوين والاصطلاحات الدنيوية لا تمـلك أي حصانة لصاحبها لا رئيس ولا وزير ولا مدير الخ وعليه فإن قضيتين في الإسلام المحافظة على سلامتهما من الفرد والمجتمع من أهم ما ركز عليه الإسلام ألا وهما العقيدة الصحيحة والحكم بما أنزل الله فالعقيدة الصحيحة مطالب بالإتيان بها يوم القيامة كل فرد والحكم بما أنزل الله في المجتمع مطالب به المسلمون الذين يتولون أمر المجتمع والفرد في محيطه .
فمن جاء إلى الله وعقيدته صحيحة لم يترك البـيئة والتـقاليد في مكان ميلاده تجبره على اختيارها عن ما في النصوص الإسلامية ولم يترك الشيطان يزين له سلوك طرق أخرى مبنية على البـيئة والتـقاليد لتجـنبه سلوك الطريق المستـقيم فإن من مات على العقيدة الصحيحة يستحق أن يقال عـند رؤية جنازته (( يا أيتها النفس المطمئـنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية )) الخ الآية .
وكذلك من قـنـن القوانين على ضوء الإسلام وحكمها في جميع أموره أو أمر بتحكيمها في المجتمع إذا كان له سلطة في الدولة ( مثـل ما فعل السيد الرئيس محمد خونه ولد هيدالة حيث أحال الأمر إلى علماء البـلد) فإن مثـل ذلك الفعل يستحق صاحبه قراءة تـلك الآية مخاطبا بها إثـر وفاته تفاؤلا بها فقط .
فهاتان الركيزتان في الإسلام لا يجوز للمسلم الذي يرجو لقاء الله أن يتساهل في شأنهما لأن المولى عز وجل جعل التمسك بهما هو الفيصل الواضح بين المسلم وغيره .
فالعقيدة يقول فيها المولى عز وجل (( إن الله لا يغـفر أن يشرك به ويغـفر ما دون ذلك لمن يشاء )) وهذا التعـبـير طبقا للغة العربية التي نزل بها القرآن يقضي بعدم إيمان من يشرك بالله أي شيء كان لأن الفعل المضارع في الآية مسبوقا بأن المخففة لترده بعد سبكه معها إلى مصدره وهو اشراكا النكرة المنفية التي لا تـتـرك أي نوع من الغفران للمشرك وكذلك فإن الله تبارك وتعالى الخالق لهذا الإنسان الذي لا يعلم ما ينفعه وما يضره ذكرا كان أو أنـثى إلا هو لم يترك الحكم بين هذا الإنسان لأي كائن من كان يقول تعالى (( إن الحكم إلا لله)) وهنا أيضا ألفاظ الحصر وهي النفي والاستـثـناء بمعنى لا يكون الحكم إلا لله ، ولذا يأمر الله نبـيه صلى الله عليه وسلم في قوله ((وأن أحكم بـينهم بما أنزل الله ولا تـتـبع أهواءهم وأحذرهم أن يفـتـنوك عن بعض ما أنزل الله إليك )) .
وملخص ما في الموضوع أن تـقـنين قانون النوع المسيء نبه هذا الشعب المسلم أن موريتانيا داخلها من يستمع إلى التشريعات الأجنبـية الصادرة من غير المسلمين ( ولو من غير سوء نية ) سواء كان منظمة دولية أو مجتمعات مدنية حقوقية أو تجارية إلى غير ذلك ، وكل من يحمل هذا التـفـكير فهو يعيش بتـفكيره خارج الدائرة الموريتانية التي تختص باعتـناقها للإسلام عبادة وسلوكا وأحكاما بل كل ما يتعـلق بالحياة الإنسانية من المهد إلى اللحد.
وكان الأولى بموريتانيا وهي الدولة المسلمة 100% منذ قرون وخلق الله أبناءها عباقرة في كل فن من فنون الحـياة كان الأولى بها أن تـكون سباقة لجميع التشريعات الحديثة سواء كانت أسرية أو حقوقية أو اجتماعية ، ويعكف أبناؤها على التشريع على ضوء الشريعة الإسلامية في جميع الحياة البشرية ويمطرون بها أسواق العالم الخارجي سواء كان مسلما أو غير مسلم فالجميع خلقه الله لأداء حياته المحدودة فوق هذه الأرض قبـل أن يأتي يوم الفصل بـينها .
وخالق هذا الإنسان يعلم ما يصلح له من التشريع فيما بـينه لأنه الخالق له جميعا (( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبـيـر )) .
فهذا التشريع الإلهي جاء كاملا سواء في الجنايات أو الجنح أو المخالفات فـلكل فعـل من هذه الجرائم نص تشريعي قرآني أو سني يعالجه إما بالنص الصريح وإما على ضوء قواعـد تستـنـبط من تـلك النصوص وهنا وضع الإسلام قاعدة لم توضع في أي قانون وضعي في العالم غير الإسلامي ألا وهي عقوبة التعزير حيث ترك الحكم فيها عـند عدم النص للقاضي ليطبقه على كل نازلة يقضي حالها ساعة وقوعها وضع الحكم حسب الزمان والمكان والشخص إلى آخره دون أن يقيده بتـقـنين وضعه من لم يشاهد الموضوع الخاص بتـلك النازلة ولا يعرف أسبابها وما يقـتـضيه حالها ومع ذلك فالقاضي الذي يحكم طبقا لضوابط الشريعة يثاب على فعله في الآخرة ويعاقب على تقصيره وعلى عدم بذل وسعه في طلب الأصلح للفرد والمجتمع .
ففي تـقـنين الأسرة على ضوء الشريعة الإسلامية وفي حقوق الإنسان في الإسلام الذي يبدأ بحق النفس على صاحبها والفرد والمجتمع ، ما لو رآه المشرع الأوربي العاقـل لرقصت جميع فرائصه لحسنه، وباختصار فالتشريع الإسلامي هو الذي يأمر مجتمعه بطاعة أولى الأمر بالنص الثابت القرآني يقول تعالى (( يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم )) وفي نفس الوقت يضع تشريعا آخر سنيا لأولى الأمر في أن يعدلوا بين الرعية ويـبتـعدوا عن الغش في شأن إدارتها يقول صلى الله عليه وسلم : ما من راع يسترعيه الله رعية يموت عنها يوم يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه الجنة .
وفي الأخير يقول المولى عـز وجل مخاطبا للمؤمنين بهذا الخطاب العادل المؤثـر (( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين أو الأقربين إن يكن غـنيا أو فـقيرا فالله أولى بهما فلا تـتـبعوا الهوى أن تعـدلوا وإن تـلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبـيرا ))
بقلم / محمدو بن البار