وجه الرئيس السابق السيد محمد محمد ولد عبد العزيز رسالة توجيهية قال فيها ان قانون الرموز الذي تمت المصادقة عليه من طرف البرلمان سيشكل انتكاسة وتضايقا في المكتسبات الديمقراطية
واصفا اياه بأخطر قانون عرفته البلاد
نص الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيه الكريم
رسالة موجهة من الرئيس السابق السيد محمد ولد عبد العزيز
الى الشعب
مواطني الأعزاء،
يشرفني أن أحييكم وأخاطبكم هذه المرة من داخل السجن بخصوص قانون الرموز الذي اقترحته الحكومة وصادق عليه البرلمان والذي شكل انتكاسة حقيقية للمكتسبات الديمقراطية تنضاف إلى سابقاتها ستنسف حرية الإنتقاد وحرية التعبير وحرية النشر وحق المعارضة في الآن جذاته وهو أخطر قانون تمت المصادقة عليه منذ إعتماد النظام الديمقراطي في البلد. ويجسد هذا القانون و يفعل سلسلة الإنتهاكات المتكررة للدستور التي دأب عليها هذا النظام منذ إستلامه للسلطة حيث تم الإعتداء على كافة المبادئ الأساسية للنظام الديموقراطي في البلد من فصل بين السلطات ومن حريات فردية وجماعية و تم تدمير حقل الصحافة الحرة من خلال اعتماد سياسة الترهيب بالتهديد المباشر والترغيب من خلال شراء المواقع والذمم من أموال الدولة. وهكذا، تم تدجين القنوات التلفزيونية والإذاعات الحرة والمواقع الالكترونية التي كانت مفتوحة أمام أعتى وأشد المعارضين والتي منعتْ من تغطية المؤتمرات الصحفية التي كنت أنظم لفضح خطط المفسدين وتلاعبهم بمصالح الشعب، لعلكم تتذكرون المحاولة الأخيرة التي باءت بالفشل وزعمت القناة أن حريقا شب في أجهزتها وحال دون تغطيتها للمؤتمر، وهكذا تم تغييب الرأي الآخر وصرخات المواطنين ومطالبهم ومظالمهم بالكامل.
أيها المواطنون أيتها المواطنات،
يسعى مايسمى بالإجماع الوطني الذي هو في الحقيقة مجرد تحالف من أجل الظلم والفساد وتكميم الأفواه إلى استغلال الرئيس الحالي الذي انتخبه الشعب في إطار ديمقراطي، بعد أن فشل فشلا ذريعا في القيام بمسؤولياته على جميع الأصعدة وأخفق في كل السياسات القطاعية أمنيا و إقتصاديا و إجتماعيا وإداريا وإلى تحويل البلد إلى سجن كبير و إلى هدم التجربة الديمقراطية في البلد. فبالرغم من أن تجربتنا الديمقراطية لم تصل بعد إلى المستوى الذي ينبغي من تطور، إلا أنها نتاج تراكمات وتكامل جهود كل الموريتانيين والموريتانيات المخلصين للوطن على مدى عشرات السنين، الذين عملوا من أجل إرساء أسسها ودافعوا عن مبادئها وتحملوا في سبيل ذلك تضحيات جسام، بما في ذلك الإنقلابات، كبدتهم خسائر كبيرة وكلفتهم الأنفس والسجن والمنفى والتشريد ومختلف أشكال المضايقات.
واليوم، أوقع هذا التحالف النظام الديمقراطي في ورطة منتهزا رغبة الرئيس الحالي -الذي فشل في كل شيئ كما ذكرنا آنفا- وتجاوبا مع حاجاته النفسية الخاصة، المتعطش لكبرياء و لأمجاد هي صرح من خيال، بدعمه ضمنيا لهذا القانون الذي يلجأ إليه الرئيس المنتخب ويحتمي به بعد عجزه عن القيام بمهمته التي أنتخبه من أجلها الشعب والتي لم يكن من ضمنها تمجيده لذاته ومزاحمتها للمقدسات الدينية والوطنية.
أيها المواطنون أيتها المواطنات،
إن الحريات التي طالما دافعنا عنها بكل قوة هي صمام أمان النظام الديمقراطي الذي نسعى إلى ترسيخه في وطننا وهي مفتاح الرقي والتقدم. ولم يكن دفاعنا عن الحريات من دون ثمن، تحملناه أثناء مقامنا في السلطة واليوم نتحمله من داخل السجن. إن هذا القانون الخطير يؤسس لإرهاب الدولة وللقمع السياسي الذي نتعرض له ويتعرض له مئات الشباب الأحرار و قادة الرأى الذين تم اعتقالهم وسجنهم لأنهم عبروا عن رأي يعارض الحكومة ولا يروق للرمز الرئيس.
ولا يشبه لقب الرمز (Ramz) في القانون الجديد، في تكريس سلطة الفرد المستبد، سوى لقب الفوهرر الألماني (Führer) أو لقب الكوديلو الاسباني (Caudillo) الذي كان آخر من يحمله فرانشيسكو فرانكو أو لقب الدوتشي الإيطالي (Duce) الفاشي. وبهذا القانون أللادستوري سيصبح نظام الحكم في بلادنا مثالا حيا للأنظمة الإستبدادية التي لاتريد من المواطن إلا أن يكون مطيعا للحاكم وأي نقد أو أعتراض منه يعتبر إساءة وعصيانا وجرما لا يغتفر.
أيها المواطنون أيتها المواطنات،
من ناحية أخرى، لفت انتباهي الزج عن قصد بالمقدسات الدينية إلى جانب الرموز الوطنية في هذا القانون الذي ’يتعلق بحماية الرموز الوطنية و تجريم المساس بهيبة الدولة وشرف المواطن’ وهو خلط ينم عن ضعف إدراك و عدم إحاطة بأبعاد المواضيع التي شملها هذا القانون من طرف الجهات التي أصرت على تمريره بهذا الشكل لأغراض خاصة بها. فبالرغم من أنه تم الإبقاء على العقوبات الأشد المقررة في القوانين الأخرى، إلا أن هذا القانون الذي يأتي بعد تلك القوانين يلغى كافة الأحكام السابقة المخالفة له، وهو ماجعلني أتساءل هل فعلا تم أخذ كل التدابيير أللازمة من تشاور مع أهل التخصص من قضاة و قانونيين وخصوصا رأي علماء الشريعة الذين تقع عليهم مسؤولية ومهمة السهر على حماية المقدسات الدينية.
أيها المواطنون أيتها المواطنات،
وأنا أخاطبكم من السجن الذي تمت إحالتي اليه في الحقيقة لمعارضتي الصريحة لهذا النظام و لرفضي لما آلت اليه الأوضاع في بلدي منذ خمسة أشهر ومن دون محاكمة، أدعوكم إلى رفض هذا القانون شكلا و مضمونا لما يشكل من خطر على الوطن ولما سيترتب عليه من فساد ومن استخدام تعسفي وغاشم للسلطة ومن خنق لكل أصوات النقد و الاحتجاج. كما أطالبكم بالطعن كتابيا فرادى وجماعات أمام المجلس الدستوري ضد هذا القانون أللادستوري ونقضه.
وانتهز هذه الفرصة، في هذه الظرفية الإستثنائية التي يمر بها وطننا الحبيب، لأهنئ كل البرلمانيين الأحرار الذين وقفوا ضد هذا القانون ورفضوا التصويت عليه كما أهنئ جبهة التغيير بكل مكوناتها وكل الحركات الشبابية وكل المدونين الأحرار الذين عبروا بقوة عن رفضهم لهذا القانون، وأتساءل عن مصير أولئك المرلمانيين الذين صوتوا لصالحه، يوم يسحب هذا القانون المشين من ترسانة القوانين الموريتانية، كيف سيواجهون أبناء وبنات هذا الشعب الذي أأتمنهم على مصالحه وعلى مهمة الدفاع عنها فخذلوه وتآمروا ضده؟
مواطني الأعزاء،
التاريخ يعلمنا أن نظام الرمز RAMZ المهزوم سيزول كما زالت من قبله أنظمة البطش والظلم والإستبداد وسينتصر الشعب ويتحرر من قيود الرمز و العصابة التي عاثت في مؤسسات الدولة و بمقدراتها فسادا و تحاملت علنا ضد مصالحه. أختم بقوله تعالى في كتابه الحكيم « إن ينصركم الله فلا غالب لكم » عليه توكلت و إليه أنيب والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
محمد ولد عبد العزيز
مدرسة الشرطة، انواكشوط.
يوم الأربعاء11 ربيع االثاني 1443
الموافق ل17 نوفمبر 2021ا