الاستاذ الحاج محمد الامين يكتب : قراءة في "التدبر في القرآن يهدي لطريق الرحمن" على ضوء رؤية المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي

اثنين, 04/14/2025 - 15:12

في مقاله "التدبر في القرآن يهدي لطريق الرحمن"، يطرح المفكر العربي علي محمد الشرفاء رؤية علمية عميقة حول العلاقة بين المسلمين والقرآن، مركزا على ضرورة الانتقال من التلاوة الشكلية إلى التدبر العملي والتطبيقي ؤكدا أن القرآن لم يُنزل للتجويد والمناسبات، بل هو كتاب تشريع وهداية وسلوك، يُراد به بناء أمة أخلاقية قوية تتخذ من العدل والرحمة والإحسان نهجًا في كل مناحي الحياة.
يضرب المفكر على الشرفاء مثالا واقعيا وحيا، حين يقارن بين الرياضي الذي لا يكتفي بقراءة قصص النجاح، بل ينخرط في التمرين والانضباط، وبين المسلم الذي يقرأ القرآن دون أن يطبقه.
يرى المفكر الشرفاء أن ما حل بالأمة الإسلامية من فتن وحروب وتشتت هو نتيجة مباشرة لهجر القرآن، ليس هجر تلاوة، بل هجر تدبر وتطبيق، حيث جعل القرآن مجرد طقس صوتي يُتلى في العزاء والأفراح، وهو ما كان خطوة مدروسة في مسار تحويل الإسلام من مشروع إصلاح إنساني إلى حالة ثقافية جامدة.
هذا الانفصال بين الشكل والمضمون قاد المسلمين إلى مساحات من التنازع والفشل والانقسام، مخالفين بذلك التوجيه الإلهي الصريح: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا).
ويُرجع المفكر بدايات هذا الانحراف إلى ما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث تحولت الخلافات إلى اقتتال، وساد منطق المصالح والسلطة على حساب الرسالة الأخلاقية، موضحا أن الأجيال المتعاقبة قد ورثت هذا الصراع دون أن تقف وقفة مراجعة مع النفس، لتسأل: لماذا هذا الشقاء المستمر؟ ويأتي الجواب واضحًا في القرآن، حين يشكو الرسول من قومه قائلا: (يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)، في إشارة إلى العزوف الجماعي عن تطبيق مبادئه.
يشدد الشرفاء على أن العودة للقرآن لا تكون عبر مظاهر التدين أو الدفاع اللفظي عن هيبته، بل من خلال استعادته كدستور حياتي، يعيد تشكيل العلاقات الاجتماعية والسياسية على أسس الرحمة، والعدل، والحرية، والتكافل، وحقوق الإنسان، وهو بذلك رافضا التوظيف السياسي أو المذهبي للنص القرآني، ويدعو إلى قراءته قراءة تحررية أخلاقية، تحاكي غايته الأولى: بناء مجتمع متراحم ومتماسك يعيش في أمن وسلام.
كما يرى أن العقوبة التي حلت بالأمة، من استبداد وتخلف ودماء تسفك، هي نتيجة طبيعية لغياب الالتزام بمنهج الله، حيث خُلق الإنسان ليعمر الأرض وفق تشريعات الرحمن، لا ليتبع أهواء الشياطين. ولذلك فإن الدعاء وحده لا يكفي إن لم يصاحبه عمل وإصلاح، لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، أي حتى يعودوا لكتابه ويجعلوه مصدرا للحكم والأخلاق والعدالة.
وختاما لما سبق يُقدم الشرفاء أملًا مشروطًا، في أن رحمة الله لا تزال ممكنة لمن آمن واستقام، مستشهدا بقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثم اسْتَقَامُوا...)، فطريق الرحمة ليس مغلقًا، لكنه يتطلب إرادة جماعية صادقة للعودة إلى النبع الأول، إلى القرآن الكريم، كتاب الله الحي الذي لا تنقضي عجائبه، ولا تتحقق غايته إلا إذا طُبق في الواقع، لا إذا تُلي من دون وعي.

القسم: