“منى” هي واحدة من هؤلاء، ففي اللحظة التي كان أهلها يعدونها لليلة “الدخلة” وزفافها إلى عريسها “تامر” في حارة “المقلب” بعزبة خير الله بمنطقة البساتين، وهي منطقة فقيرة تتكون من مساكن عشوائية وتكثر فيها مقالب النفايات، كانت “الداية” التي تولد النساء فيها، وتذكرهن بالاسم واحدة واحدة وكذلك أولادهن، تعود بذاكرتها إلى سنين طويلة مضت.
ربما لولا الوظيفة التقليدية التي تؤديها امرأة يسمونها “الداية” في بعض الأوساط الشعبية المصرية، لتأخر اكتشاف هذا العريس لحقيقة عروسه وأنها رجل كامل الذكورة، إلى حيث يغلق عليهما باب غرفة واحدة في ليلة “الدخلة” الشهيرة بحكاياتها المخيفة في المجتمع المصري المستوحاة من الحقائق والأساطير.
“الداية” هي التي تقوم بتوليد نساء الطبقات الشعبية الفقيرة، وترتبط دائما بعلاقات عميقة
الجذور مع كل من جاءوا إلى الحياة على يديها، تذكرهم عندما انطلق صراخهم لأول مرة وهم يستقبلون الدنيا.
لم يمر على ذاكرتها اسم “منى” في أسرة “أبوزيد”. ذاكرتها تشبه دفتر المواليد الجدد في المستشفيات لا يعتريها الخطأ أو اللبس. إنها تذكر فقط أنها استدعيت عقب مخاض الزوجة، فقامت بالتجهيزات العادية التي تفعلها مع كل استدعاء، وبعد مجهود مضن حملت يديها طفلا ذكرا جميلا فرحت به الأسرة وأسمته “أحمد”.
وذهبت فعلا لترى العروس أثناء تجهيزها بالحناء وخضوعها لأيدي “الحفافة” وهي وظيفة تقوم بها بعض النساء في البيئات الشعبية الفقيرة، تشبه ما تقوم به محلات الكوافير العصرية.